حوارية المُثقّف والمُوظّف !!
يقدم لنا التاريخ حكايات منها ما هو رمزي لكن له دلالات عميقة عن دور المثقف، وسأكتفي بمثالين احدهما عن امبراطور كان يتلذذ بصراخ واستغاثات الشعراء لأنه حشرهم في ثور نحاسي تحت شمس حارقة، وقد ذكّرني ذلك الثور واسمه فلاريس برواية رجال في الشمس للشهيد غسان كنفاني، والتي انتهت بسؤال خالد يختصر دراما اللجوء الفلسطيني وهو : لماذا لم تدقّوا الخزان، فالرجال الذين اغلق عليهم صهريج ماء فارغ في الصحراء وفي درجة حرارة تصل الى الخمسين، نسيهم السائق ابو الخيزران الذي استغرق في رواية مغامراته الجنسية لحرس الحدود رغم انه عنّين وفاقد للذكورة . الحكاية الثانية يرويها رسول حمزاتوف الشاعر الحكيم الذي رضع الكبرياء من جبال داغستان يقول ان هناك امبراطورا طلب من كل شعراء البلاد ان يمتدحوه ففعلوا باستثناء واحد قال انه لا يمدح لأنه لا يهجو، فأمر الامبراطور باعدامه في ساحة عامة تجمهر فيها الناس، وحين بدأ تنفيذ الحكم صاح الامبراطور بمن كلّف بالتنفيذ قائلا له : توقف واترك لهذه البلاد رجلها لأنها من بعده ارملة . الامبراطور في الحكاية غير من يسميهم اندرسون الاباطرة العراة، وقد ادرك ان ذلك الرجل صادق ومنسجم مع نفسه ولا يمدح الا عندما يملي عليه ضميره ذلك، وحين صفح عنه وكافأه بدلا من العقاب ارسل الى البشرية كلها رسالة خلاصتها ان المنافقين هم أول من يقلبون ظهر المجن، بل هم اول القافزين من السفينة كالفئران اذا تعرّضت للغرق، ولا يشبه هذه الحكاية في التاريخ القديم الا حوارية سومرية دارت بين سيد وعبده، فحين سأل السيد العبد عن رأيه في مسألة خطيرة تتعلق بالبلاد والعباد اجابه بما يرضيه، وحين غيّر السيّد رأيه تغير على الفور رأي العبد، فصاح السيّد به : اخرج ولا اريد ان اراك الى الابد، فالانسان له ظل واحد وانا لي ظلاّان !
(الدستور 2016-05-16)