مقتل بدر الدين والرواية غير المقنعة لحزب اللـه
في شهر آذار من العام الماضي، وبعد عملية التخلص من الجنرال رستم غزالي، كتب الصحفي اللبناني المعارض لحزب الله عماد قميحة مقالا قال في ختامه: “متى سينعي حزب الله شهيد الواجب الجهادي مصطفى بدر الدين؟ ويأتي السؤال الثاني مخففا: بعد رستم غزالي ماذا عن مصطفى بدر الدين؟”. كتبنا مرارا عن عمليات التخلص من المتورطين في اغتيال الحريري، أعني أولئك الذين يعرفون من اتخذ قرار التخلص منه، وهم في الغالب يقبعون في طهران ودمشق (أعني من اتخذوا القرار)، ومعلوم أن عماد مغنية كان يرتبط بقاسم سيلماني مباشرة، وليس بنصر الله. قلنا إن مقتل عماد مغنية، وإن تم بأيد إسرائيلية، إلا أن تسريب مكان وجوده قد تم عن طريق النظام السوري. وقبل عماد مغنية كانت هناك سلسلة من الاغتيالات بطرائق شتى لشهود آخرين (غازي كنعان، رستم غزالي، آصف شوكت، بعض أعضاء خلية الأزمة الذين بات واضحا أنهم قتلوا من قبل النظام نفسه، وقبلهم اللواء محمد سليمان القريب من بشار نفسه). المثير في قصة بدر الدين، وهو ما فضح الموقف أكثر من أي حادثة سابقة، ليس كون الرجل برسم الاغتيال أصلا، ولذات السبب المتعلق بإخفاء الشهود الذين يعرفون من اتخذ قرار اغتيال الحريري وحسب، وصلة بشار المباشرة بذلك، بل أيضا بسبب ذلك الارتباك الذي رافق الحادثة، والذي يشير بدوره إلى أن الحزب فوجئ بها. الحزب قال فجر الجمعة إن الإسرائيليين هم الذين اغتالوه، وقالت ذلك قناة الميادين، وهذه لا تنطق عن الهوى. وقالوا إنه اغتيل الثلاثاء (نصر الله خطب الخميس)، لكن الموقف لم يلبث أن تغير بعد ذلك بساعات قليلة، إذ أصبح الأمر برسم التحقيق، مع القول إنه اغتيل ليلة الجمعة، أو مسائها. الحزب وبعد التحقيق المزعوم، قال إن بدر الدين قتل بقصف مدفعي لمن سماها “الجماعات التكفيرية”، وهذه هي الرواية التي تصلح لتخريج الموقف والخروج من المأزق أمام المحيط والأتباع، كما تنفع لاستمرار الحشد لمعركة سوريا، لكنها ليست الحقيقة، فليس لدى الثوار قصف دفعي بهذه القوة والدقة، وهم أنفسهم لم يزعموا ذلك، ولو كانوا فعلوا لافتخروا بالأمر، ولتسابقت الفصائل على نسبته لنفسها. هناك احتمال قد يشير إليه البعض، وهو أن الصهاينة هم من قتلوا بدر الدين، وأن نفي الحزب كان بسبب عجزه عن الثأر الذي يرتبه الإعلان، ولذلك فضّل نسبة الأمر إلى الثوار، وهو كلام لا يبدو مقنعا أيضا، فنحن نعرف الصهاينة في لحن القول، وهم كانوا واضحين هذه المرة بنفي صلتهم بالاغتيال، وإن رحّبوا به. إنها منظومة من القتلة الذين لا يتورعون عن فعل أي شيء لإخفاء جرائمهم، وما ذكرنا من حيثيات واغتيالات، وفي مقدمتها اغتيال خلية الأزمة يؤكد ذلك، فضلا عن قصة رستم غزالي وغازي كنعان. والنتيجة أن هذه فضيحة كبيرة لحزب الله أمام قواعده، لن تصلحها الرواية التي أعلنت، والتي لا تقنع سوى العقول المغيّبة، ما يعني أن الهمس سيتصاعد بالتدريج، في ظل حقيقة أن الحزب خسر من قادته في سوريا أضعاف ما خسر في الحرب مع الكيان الصهيوني، فضلا عن أن يكون كل ذلك دفاعا عن نظام يقتل قادة الحزب حين تستدعي مصلحته ذلك. هذه العملية ستزيد في ارتباك الحزب، بخاصة في ظل عجزه وحلف إيران عن الحسم العسكري، ومجيء الحادثة بعد أيام من هزيمة خان طومان التي أصابت الإيرانيين بالهستيريا. والخلاصة أنها لعنة الدم السوري، تصيب الحلف الإيراني، ولن تتوقف حتى تضع حدا لجنون مشروع التوسع الذي لهثوا وراءه ربع قرن من الزمان.
(الدستور 2016-05-15)