بعد عبور المخاضة!
من الماحات الانتحار الجماعي، الى التراجعات الاقتصادية الحادة، يبدو في الظلال المشهد الاسوأ، الذي يجب ان تتم الاشارة اليه، فقد عبرت الدولة المخاضة الصعبة، في سنين الربيع العربي، واستثمرت في خوف الناس على بلدهم، وبعد ان وصلت الضفة الاخرى، آمنة مطمئنة، عادت الى سلوكها، ضاربة كل قصص الناس بعرض الحائط. اين يتبدى الرشد في هذا الاداء، حين ترتفع عاطفة الدولة تجاه الشعب، في سنين الخوف من الربيع العربي، وبعد ان يتأكد كثيرون، ان ليس للربيع العربي، مكان في الاردن، يعودون الى سابق عهدهم، من اشاحة الوجه عن قضايا الناس، وصولا الى هذا الاستخفاف بكل مايبرقه الشارع في الاردن، من ملفات وهموم، فهذه سياسات تتسم بالانتهازية، والتقلب!! هناك ذهنية اقرب الى التبلد في ردود الفعل، فقصص الانتحار الفردي والجماعي، يتوجب ان تدق ناقوس الخطر في البلد، ووباء البطالة، وجلوس الناس بلا عمل، ملف بحد ذاته، وبحاجة الى حلول، وعندنا مئات القضايا، فلم نعد نسمع عن اجتماع يخصص لمناقشة ازمة او قضية، او يبحث عن حلول، وكل الدولة مستغرقة في دورين فقط، وكأن لاحياة بعد ذلك، الاول تدبر القروض، من المصارف العالمية، والثانية ملاحقة الارهاب في قارات العالم، فتكاد تسأل الدولة عن بقية الوظائف، وظائفها المفترضة. ماذا عن هذا البلد، وايهما اخطر عليه، الارهاب، ام قلق الداخل، وجوع الناس، ولماذا يراد ان نسكت بذريعة اننا نبث السوداوية، فدلونا اذن على غيرها من الوان حتى نبثها، ويصدقها الناس، بدلا من اتهامنا بالنفاق والتسحيج، والحق معهم في حالات كثيرة، اذ لم يعد ممكنا ان نرش الملح على جرح الناس، ونبرر كل مافيه بذريعة اللحظة الحساسة وغير المسبوقة في تاريخنا، وهذا المنحنى الصعب الذي نعبره، وهو منحنى مازلنا نتأوه على زواياه، دون ان ينتهي؟!. لقد آن الاوان ان تصحو الدولة من هذه الغيبة ، فهذا السلوك، اي الاستخفاف بالناس، بمجرد عبور الربيع العربي، يعبر عن حالة غير مقبولة، حالة فوقية، وكأن احدا يضمن ألاّ تدب عندنا المشاكل مجددا، وألاّ ينفذ صبر الناس، ويتمنوا لحظتها ان تحترق الدنيا، لاسمح الله. حين يقدم اردنيون على الانتحار، او التهديد بالانتحار، فرادى وجماعات، فعلى اولياء الامر، ان يقفوا عند القصة، بدلا من جلد هؤلاء باعتبارهم يخالفون الدين وحسب، هذا على اساس ان الدين قائم في بقية مسارات الحياة، او باعتبارهم مجرد ثلة تريد لفت الانتباه، فهذا بلد يتفكك بنيانه الداخلي اجتماعيا، يوما بعد يوم، تحت وطأة الازمات، ولايجد اهله سوى من يمد لسانه عليهم، باعتبارهم يكثرون الطلبات، وينفقون اموالهم على التوافه. في دول اخرى تهرع كل اجهزة الدولة، لمناقشة مؤشر ارتفاع مؤشرات الانتحار، اما عندنا، فلا شيء مهم ابدا، فلا ربيع عربيا يضغط على الاعصاب، ولا الشعب له خاطر عند احد.
(الدستور 2016-05-17)