الحرب الناقصة والسلام الاشد نقصانا !!
حين استخدم هنري كيسنجر مصطلح الحرب الناقصة في سبعينيات القرن الماضي، كان من حيث يدري او لا يدري يوحي بأن هناك سلاما ناقصا، فالحرب الناقصة هي التي تبدو كما لو انها انتهت ووضعت اوزارها، لكنها في الحقيقة ليست كذلك، لهذا فالسلام الذي تنتهي اليه ليس اكثر من هدنة قد تقصر او تطول، وهو سلام ناقص بالضرورة، لأن الطرف المهزوم قد يقبل بالامر الواقع مؤقتا والى ان يستكمل ادواته في جولة قادمة . وقد يكون السلام العربي الاسرائيلي في مختلف صيغه نموذجا للنقصان لأنه وضع حدا لمعارك ولم يضع حدا لحرب تبدل اسلحتها وخير مثال على ذلك الفشل الذريع الذي تجسّد في مقاومة التطبيع سواء في بعده الثقافي او الاجتماعي . وهذا ما تشكو منه اسرائيل دائما لأنها تخاف من المستقبل ولا ترى فيه حليفا قادما لها بقدر ما ترى انه اشبه بكمين تاريخي، ما دامت الاجيال العربية المتعاقبة تتوارث شعورا عميقا بالظلم وان لديها استحقاقات تدافع عنها . ومنذ مؤتمر مدريد الذي استثمر زلزالا عربيا حتى المؤتمر الذي تدعو اليه فرنسا اليوم وترفضه اسرائيل لم يكن السلام بمعناه الدقيق قد طوى الصفحة الحمراء . ولا ندري كيف يمكن لسلام ناقص ان يكتمل ما دام هناك اصرار على تهويد الدولة، وتحويل الاستيطان الى امر واقع يجب على العرب ان يتأقلموا معه ! وقد يرى الواقعيون جدا ان مثل هذه المقاربات تبقى في النطاق النظري والتجريدي، وان للواقع حيثيات وشروطا تملي على الانسان ما لا يرغب فيه بحيث يردد ما قاله المتنبي عن نكد الدنيا حين تفرض على الانسان ان يصادق عدوا ما من صداقته بُدُّ ! والحقيقة ان السلام لا يعني الصداقة، وسبق ان قال الكاتب غروسمان ان ما تطمح اليه اسرائيل ليس العشق والعلاقات الحميمة مع اعدائها ... ولأنها كانت بالفعل حروبا ناقصة فإن السلام الذي اعقبها او سوف يعقبها هو اشد نقصانا منها !
(الدستور 2016-05-22)