مغازلة نتنياهو بتعديل مبادرة السلام العربية!!
نقلت القناة العاشرة الاسرائيلية، عن مصادر دبلوماسية غربية قولها إن دولا عربية أبدت استعدادا لإدخال تغييرات على مبادرة السلام العربية من أجل استئناف مفاوضات السلام، مع حوافز تتعلق بتغيير في العلاقات بينها وبين الكيان الصهيوني. وذكرت أن رسائل بهذا الخصوص تم نقلها عبر توني بلير الذي يعمل مقاولا لدى نتنياهو، بينما لا يكاد يغادر القاهرة حتى يعود إليها من جديد. من الصعب التعويل على تسريب من هذا النوع في الأوضاع الطبيعية، لكن معلومات كثيرة عن رسائل غزل سرية، وبعضها علني مع الكيان الصهيوني، فضلا عن مبادرة السيسي الأخيرة تدفعنا للتعاطي مع هذه الأنباء، والتوقف عندها مليا. وحين تبادر الجامعة العربية إلى الترحيب بخطاب السيسي المشار إليه، فهذا يعني أنه قد حصل على ضوء أخضر من عدد من الدول العربية أيضا، وأن ما يستتبع مبادرته صار جديا. صحيح أن نتنياهو كان بالغ الوقاحة حين رد على المبادرة بضمِّ المتطرف ليبرمان إلى حكومته، لكن الصحيح أيضا أن الأخير لا يبدو أكثر يمينية من نتنياهو؛ وإن أضاف فجاجة في الطرح في بعض الأحيان. على أن السؤال الأكثر أهمية هنا هو ذلك المتعلق بطبيعة التعديلات على المبادرة العربية التي يمكن أن تغري نتنياهو، أو تدفعه لقبولها، وما هي العناصر التي ستطالها التعديلات في المبادرة، مع العلم أنها وافقت عمليا، وفي قرارات لاحقة من قبل العرب على ما يسمى تبادل الأراضي (تشريع المستوطنات الكبرى بتعبير أدق)، فضلا عن تجاوزها لمسألة اللاجئين، بالحديث عن “حل متفق عليه”، وهو ما يعني عمليا شطب حق العودة، والاكتفاء بالتعويض، لأن هذه القضية موضع إجماع في الكيان الصهيوني؛ لا يشذ عنها لا يمين ولا يسار، ونتذكر هنا كيف ردت تسيبي ليفني على عريقات كما كشفت وثائق التفاوض بالقول إن الرقم الذي سيعود إلى الأراضي المحتلة عام 48 (قالت إسرائيل طبعا) هو صفر، وذلك حين حدثها عن أن أولمرت قد وافق على إعادة 10 آلاف (تخيلوا 10 آلاف من حوالي 10 ملايين)، وعلى مدى 10 سنوات!! يعلم الجميع أن ما أفشل مفاوضات كامب ديفيد صيف العام 2000، وكذلك مفاوضات عباس- أولمرت هي قضية القدس، فهل سيعدل العرب المبادرة على هذا الصعيد، على نحو يرضي نتنياهو؟! واقع الحال أن أي تعديل يمكن أن يتورط فيه بعض العرب على المبادرة لن يرضي نتنياهو بأي حال، لأن سقفه العملي هو دولة منزوعة السلاح في حدود الجدار، أي على حوالي نصف الضفة الغربية، مع قطاع غزة، من دون المسّ بالقدس الشرقية، ما يعني أن ما يعدنا به العرب عمليا، هو عملية سياسية وتطبيع للعلاقة مع دولة الاحتلال، واستعادة لأجواء مدريد وأوسلو لا أكثر ولا أقل، من دون التوصل عمليا لأي حل سياسي، اللهم سوى تكريس الواقع الراهن، ممثلا في دولة “حدود الجدار”، وبشرعية عربية ودعم عربي، وليغدو المؤقت دائما بمرور الوقت، كما قلنا في سياق الحديث عن مبادرة السيسي. أما الحديث عن التنازل عن الجولان، كما كشف الصهاينة، فلن يكون كافيا أيضا. المصيبة أنه هذه الجريمة بحق القضية الفلسطينية، تأتي وسط مواجهة مع عدوان إيراني، أو لنقل حريق أشعلته إيران، وها هو يصب في صالح الكيان الصهيوني، لكنه يخدم من زاوية أخرى الدعاية الإيرانية (ليس كثيرا وسط عناقها مع روسيا التي تزايد على الغرب في خدمة الصهاينة)، ما يعني أن النزيف سيطول، وسيواصل وضع الحب في طاحونة الأعداء، وفي كل الأحوال بتوقيع إيران والدول العربية، أو لنقل بتوقيع المحورين اللذين اتفقا على ضرب ربيع العرب، أي المحور الإيراني ومحور الثورة المضادة العربي. هذه أسوأ السيناريوهات التي يمكن الحديث عنها بخصوص ما يجري في المنطقة، أي استمرار نزيف العرب وإيران من جهة، مع مزيد من خدمة الأجندة الصهيونية من جهة أخرى، فهل سيحدث ذلك، أم ينتصر العقل في الطرفين، فتكون تسوية ووقف للحريق وتعايش، ومن ثم تفاهم على قواسم مشتركة؟ لا ندري، لكن تصاعد الانتفاضة الفلسطينية قد يقلب الطاولة في وجه الجميع، ويصحح البوصلة، وإن بدا ذلك صعبا في ظل سلطة فتح التي رحبت بمبادرة السيسي، وسترحب بأي خطوة عربية بائسة أخرى. مع ذلك يبقى أملنا قائما في حيوية شعبنا وبسالة شبابه من جهة، وربما في جنون نتنياهو وغطرسته من جهة أخرى.
(الدستور 2016-05-22)