الولادة الثانية !!
تكفي خمس دقائق فقط لكي يعقد اي واحد منا مؤتمر قمة مع ذاته شرط ان يبدأ بخلع اوهامه لأنها تصبح احيانا اكثر ايلاما من حذاء ضيّق ثم يفعل ما فعله ديكارت قبل قرون حين قرر ان يبدأ من الصفر ويشك في كل ما تلقاه من معرفة، ليتوصل اخيرا الى انه موجود لأنه يفكر وليس لأي سبب آخر ولو شئنا تبسيط تلك المقولة الفلسفية فثمة من يعيش ليأكل مقابل من يأكل لكي يعيش . في الدقيقة الاولى من هذا المؤتمر بين الانسان ونفسه فقط يكون السؤال كاشفا وصريحا عن حقيقة الذات، وهل هي محور الكون والتي لا تشرق الشمس الا من اجلها ام انها مجرد رقم بين مليارات الارقام . وفي الدقيقة الثانية يكون السؤال عن المعنى الحقيقي للحرية، فهل هو حرّ بالفعل ام عبد لكل ما يحاصره من شروط بدءا من الرغيف حتى علبة الدواء وقسط الجامعة وثمن حليب الطفل واجرة المستشفى . وفي الدقيقة الثالثة يكون السؤال عن الاعداء والاصدقاء وما فيهما من اعدقاء، ولماذا يكره فلانا ويحب علانا فقد يكتشف ان اعداءه من صناعته ومن الفوبيات التي صاحبته منذ طفولته، وان من يظن انهم اصدقاؤه هم الذين يكذبون عليه ويسكتون عن اخطائه ويمتدحون اقبح ما فيه ! وفي الدقيقة الرابعة يسأل نفسه هل حقا كما يتصور وكم من الاخرين يشاركونه الاعتقاد بأنه كما يرى ذاته ؟ فقد يكتشف انه يلعب المباريات كلها امام المرايا مع نفسه وان ما يسجله من اهداف هو ضده وفي مرماه ! والدقيقة الخامسة، تكون مكرسة لأن يسأل نفسه هل هو استثناء من المرض والموت والشيخوخة والفقدان ؟ وان جحيم الاخرين لن يكون في اي يوم نعيما له . لو عقد احدنا مثل هذا المؤتمر بينه وبين نفسه لربما توقف عن اللهاث والاندفاع المحموم الى حماقات سيعقبها الندم لكن بعد فوات الاوان ! ان من ينجح في عقد هذا المؤتمر سيولد مرة اخرى في الدقيقة السادسة !
(الدستور 2016-05-23)