الإرهاب العائم عربيا
بالرغم من كل ما يقال ويكتب في جهود مكافحة الإرهاب عربياً، إلاّ أنّنا ما نزال في المربع الأول، وفي سجالات أولية مكرورة ومجترة؛ بشأن تعريف الإرهاب وتحديد مفهومه، وأسبابه وشروطه ونتائجه، ومقاربات التعامل معه.
كان نقاشاً مهما ومفيداً، أمس، لخبراء وباحثين عرب وغربيين في مؤتمر مكافحة التطرف والإرهاب، والذي عقدته مؤسسة "فريدريش إيبرت" الألمانية، في عمان، حول مقارنة استراتيجيات عربية وغربية في هذا الشأن، للوصول إلى تبادل الخبرات والخلاصات والنتائج.
لكن من حضر جلسات المؤتمر أدرك حجم التيه الذي نحن -أي العرب- نغرق فيه في التعامل مع ملف التطرف والإرهاب. ففي العراق، حدث انقسام ونقاش حاد في تعريف من هو الإرهابي، وتقييم الحرب الراهنة ضد تنظيم "داعش"، ودور المليشيات الشيعية وإيران في مكافحة التطرف أو خلق التطرف.
الحال لم تكن تختلف في مصر كثيراً. إذ إن مفهوم الإرهاب تم توظيفه من قبل النظام المصري لمعاقبة تيار الإخوان المسلمين والحركات السلمية، بينما بشأن الحرب الراهنة على الإرهاب هناك، فقد ارتفع معدل العمليات الإرهابية، واتسعت رقعة تنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي تحول إلى "داعش".
في اليمن، تناولت الورقة دور الرئيس السابق علي عبدالله صالح في توظيف "القاعدة" لخدمة مصالحه وأهدافه، وخطورة الاستراتيجية العسكرية الأميركية الحالية في تعزيز مشروعية "القاعدة" في المجتمع المحلي.
في الحالات الأردنية والتونسية والمغاربية، بدت الأمور ألطف وأخف وطأة. لكن يمكن تعميم السؤال الذي طرحه الزميل حسين الرواشدة -في ورقته عن الأردن- بشأن تلك الدول، التي لم تشهد أحداثاً دامية كبيرة، لكنها صدّرت آلاف الشباب لداعش، سواء من الأردن أو المغرب أو تونس؛ فهل أصبح العالم العربي بيئة منتجة للتطرف والإرهاب في كثير من الدول، وحاضنة له في دول أخرى؟
بالعودة إلى القضية المركزية، وهي أن مفهوم الإرهاب عربياً ما يزال عائماً هلامياً سائلاً، الكل يحاول توظيفه لخدمة مصالحه، ولا توجد معايير وقيم يمكن بالفعل الاحتكام إليها لتقييم استراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف وكيفية معالجة ذلك؛ فإن ثمة خلطا واضحا بين الأسباب والنتائج، وتسييسا شديدا للحرب على الإرهاب والقوانين.
لكن من الخلاصات المهمة التي من المفترض أن نتوقف عندها، أن مكافحة التطرف والإرهاب تقتضي قراءة دقيقة ومعمقة للظاهرة وتشخيصها، وتحديد أسبابها ومؤشراتها وأسباب صعودها؛ كيف يكون الحوار موضوعياً وعلمياً، وهو ما ينقصنا في العالم العربي؛ إذ نصرف جهوداً هائلة في الإدانة أو الحرب على الظاهرة، من دون قراءتها قراءة معمقة.
من الضروري أن نتوافق على أن الإرهاب في اللحظة الراهنة أصبح أكثر انتشاراً وتجذراً، ويأخذ صيغاً كثيرة، وله أسباب عديدة. ومن دون الوصول إلى مبادئ أخلاقية وسياسية واضحة في تحريم وتجريم القتل وانتهاك حقوق الإنسان والتعدي على الحريات العامة والخروج على القانون، من أي طرف كان، فإن الإرهاب سيجد له مسوغات متعددة.
من الضروري أن تتناغم وتتكامل الاستراتيجيات الفكرية في المكافحة مع الأمنية، ولا تتناقض؛ وأن يتم إشراك المجتمع المدني في الجهود المبذولة، فلا يجوز أن تصبح عملية مكافحة الإرهاب سبباً في تفريخ المتطرفين والإرهابيين، سواء بسبب التعذيب أو السجن أو معاقبة المعارضة السلمية.
في العالم العربي، اختلطت صناعة الإرهاب بسياسته وبمحاربته. وبدلاً من إنقاذ المجتمعات العربية، ما نزال في حروب استنزاف داخلية، يمثل الإرهاب أحد مفاتيحها.
(الغد 2016-06-03)