الإصلاح بما هو عمل اجتماعي منظم
"الإصلاح هو عمل اجتماعي منظم، بهدف إسماع الصوت والتأثير في السياسات والتشريعات...".
لدينا حوالي ألف بلدة أو تجمع سكاني بحدود خمسة آلاف نسمة أو أكثر. وهي مجتمعات مستقلة؛ بحدود جغرافية ومكانية معروفة، وتاريخ اجتماعي استيطاني معروف. ولدينا، أيضا، قطاعات وجماعات مهنية أو مرتبطة بموارد وأعمال ومصالح محددة وواضحة. ويفترض، تبعا لذلك، أن تكون لدينا رؤية واضحة ومحددة لمنظومة المطالب والحياة الأساسية، والنضال لأجلها. لكن ليس لدينا أمثلة واضحة لإنجازات أمكن تحقيقها في السنوات الأخيرة من خلال التنظيم الاجتماعي سوى نقابة المعلمين. ويمكن تذكر أمثلة واضحة لفئات ومصالح لم تستطع حتى اليوم، برغم حيوية عملها ومصالحها، أن تنظم نفسها باتجاه مكتسبات أساسية يفترض أن يحصل عليها جميع المواطنين تلقائيا (الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي)، مثل المزارعين وسائقي النقل العام.
الأمثلة الأكثر وضوحا للعمل المنظم بهدف التأثير في السياسات والتشريعات تبدو غير إصلاحية، أو لا تعمل لصالح الفقراء والطبقات الوسطى، مثل التعديل الضريبي لصالح الشركات، والإعفاءات الضريبية للفنادق، وتحويل دعم السلع الأساسية إلى مكتسبات لفئات من التجار والموردين.
ليس لدينا أداة نقترحها لقياس الإصلاح والتأثير أفضل من مؤشرات التنمية، ومحاولة ربطها بالانتخابات النيابية. ويمكن، بسهولة، تحويل تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية، وتقرير البنك الدولي للتنمية، إلى برنامج وطني عام، وبرنامج مناطقي على مستوى المحافظات. وفي ذلك، سيكون لدينا نموذج نعمل لأجله ونشارك الحكومات على أساسه ونسعى في التأثير عليها في اتجاهه.
يمكن للديمقراطية أن تعزز الفقر والفساد والفشل، كما حدث من قبل (وأمكن تجاوزه) في تركيا وتشيلي والهند والبرازيل. وميزة الديمقراطية هنا أنها كانت قادرة على إصلاح نفسها واستدراك أخطائها. ويمكن للدكتاتورية أن تحقق التقدم الاقتصادي، كما في الصين وفيتنام على سبيل المثال. وبالطبع، فإنها مقولة ليست للدفاع عن الاستبداد، وليست أيضا لانتقاد الديمقراطية، ولكن للتأكيد على أن الإصلاح الحقيقي والجوهري لا يأتي تلقائيا مع الانتخابات والديمقراطية، ولا يهبط من السماء؛ ولكنه منظومة من الإنجازات والشروط التي تتفاعل مع بعضها لتكون نظاما اقتصاديا سياسيا اجتماعيا ثقافيا منشئا للإصلاح والتقدم.
لماذا لا تثق بالأحزاب الطبقات الوسطى من أهل الوظائف والمهن والأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة؟ لماذا لا يملك رجال الأعمال والتجار والأغنياء الدوافع والحوافز للمشاركة في الأحزاب السياسية؟ لماذا لا يرى الفقراء والشباب والطلبة في الأحزاب السياسية فرصة للمشاركة العامة والعمل التطوعي وفرص الارتقاء والتطور الفكري والسياسي والمهني والشخصي؟ لماذا لا تمنح الأحزاب السياسية المجال للمواطنين للانتماء والمشاركة في العمل الوطني والعام؟
الدولة والمجتمع في مواجهة مع الذات: كيف يقود مجلس النواب الحياة السياسية والاجتماعية؟
لكن يبدو أننا (الدولة والمجتمعات) لا نملك لا الأسئلة ولا الإجابات، أو أننا نملك وعيا مضادا للإصلاح؛ كأننا نعمل ضد أنفسنا، ما يجعل معركة الإصلاح في بلادنا أعقد بكثير مما يبدو في الوهلة الأولى!
تحتاج النخب السياسية والاقتصادية أن تواجه نفسها والمجتمعات أيضا، وتجيب ببساطة عن أسئلة: هل تثق بها الطبقات والمجتمعات؟ هل تريد أن تواصل قيادتها للدولة والمجتمعات من غير ثقة أو تفويض من المجتمعات والطبقات؟ هل تريد أن تواصل إضعاف وتهميش المجتمعات وسائر الطبقات الأخرى وتواصل تجاهل مصالحها؟ هل ستبقى مصرة على تنظيم وإدارة الدولة والسلطات والمؤسسات والموارد والميزانيات والسياسات والتشريعات على النحو المعبر فقط عن مصالحها، ولو كان في ذلك إنهاك للدولة والمجتمعات والموارد؟ وتحتاج المجتمعات، بما هي المدن والمحافظات والطبقات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، أن تسأل نفسها: كيف يختارون الأفضل؟ كيف تؤدي الانتخابات والديمقراطية المتاحة إلى الإنصاف والعدالة وتحسين حياة الناس؟
(الغد 2016-06-04)