الاعتراف بإسرائيل!
كل الدول الكبرى في العالم تلعب اللعبة ذاتها لصالح اسرائيل، اي لعبة شراء الوقت، من اجل ان تكمل اسرائيل مشروعها، وعلينا ان نلاحظ، كل عام، او كل عامين، تخرج علينا مبادرة لمفاوضات سلام جديدة، بين السلطة الفلسطينية، وتل ابيب، والنتيجة محسومة مسبقا. آخر المبادرات ، تلك المبادرة الفرنسية، التي انطلقت بدعوة من باريس، من اجل وضع تصور من جانب ممثلي دول ومنظمات، لاعادة استئناف مفاوضات السلام، وهي مبادرة رفضها الاحتلال، مسبقا، خصوصا، ان التوقيت يخدم اسرائيل هذه الايام. لا يوجد أحسن من هذا التوقيت، لابداء الرفض، دون خشية أحد، فكل منطقة الشرق الاوسط غارقة في حروب اهلية وصراعات، وكل ثرواتها مستنزفة، وشعوبها مشردة او تحت الذبح، والاحتلال ذاته، لم يقبل ان يقدم تنازلات، والمنطقة في أحسن احوالها، فلمن سوف يخضع هذه الايام. في الحواسم، ان حل الدولتين انتهى منذ زمن بعيد، لان اسرائيل اغرقت الضفة بالمستوطنات، وقامت بتقطيعها، وخنقت غزة، وتقوم بتهويد القدس، كما ان أي حلول اخرى، مثل دولة بقوميتين، حلول مرفوضة اسرائيليا، لتبقى الحال كما هي، من استعصاء سياسي تستفيد منه اسرائيل، لاستكمال مشروعها بتهويد الضفة الغربية تدريجيا، ومصادرة الارض، او اطلاق مبادرات لشراء الوقت، ومنح اسرائيل مهلا اضافية، يتورط فيها الفلسطينيون الرسميون احيانا، بالدخول في تفاصيلها، وهم يعرفون مسبقا، ان لا فائدة ترتجى. بهذا المعنى، يبدو كل مشروع السلطة الوطنية، مهددا في بنيته، لان الاصل في المشروع، الا يكون وظيفيا لصالح تثبيت الاحتلال، او لصالح الاعتراف بثلاثة ارباع ارض فلسطين، باعتبارها اسرائيل، وهو ما جرى سابقا، وانهاء المقاومة في الضفة الغربية، ثم ابقاء الشعب الفلسطيني في عنق الزجاجة محشورا، لا هو في حالة سلام ولا في حالة حرب. المشروع الفرنسي لن يأتي بجديد، لان اسرائيل لا تريد تقديم تنازلات على صعيد ملفات حساسة، القدس وارض الضفة الغربية والمستوطنات، وهذه الملفات تحديدا يفترض ان يضغط العالم على اسرائيل قبل اي مبادرات، لان الكل يعرف ان اسرائيل لا تتنازل فيها، فما نفع الدعوة لمؤتمرات في ظل اضعف لحظة عربية، وفي ظل هذه العواصف التي تعصف بالمنطقة، من الحروب الاهلية مرورا بالمذابح، وصولا الى ما يسمونه الارهاب والتطرف. من ناحية دينية تعتبر اسرائيل الضفة الغربية « يهودا والسامرة» ومن ناحية سياسية، لايمكن للاحتلال ان يقبل دولة فلسطينية ولو منزوعة السلاح، وكل ما يقبله الاحتلال كينونة وظيفية، تمثلها السلطة، ولا اكثر من ذلك، وبشر يتم حشرهم في مساحات ضيقة. هذا يتجاوز ما يمكن اعتباره مجرد استعصاء سياسي، هذا يعيد طرح الاسئلة، وأبرزها، لماذا اعترفتم بإسرائيل، واعطيتم ثلاثة ارباع فلسطين للاحتلال، وانتم لا تضمنون حتى الربع المتبقي، فجاء التنازل عنها بذريعة دولة محتملة، فثبت العكس، وقد آن الاوان، لمراجعة هذا التنازل، من جذوره، بعد ان ثبت، انه مجرد خدمة لإسرائيل. هذا هو السؤال الاهم.
(الدستور 2016-06-04)