عن الأسطورة بمناسبة الغياب
تحدثوا وكتبوا عن الملاكم الاسطورة محمد علي بمناسبة الرحيل، وعن قبضته غير المرتدة ، وضرباته القاضية ، وانتصاراته في عالم الملاكمة خلال مسيرته الرياضية الطويلة التي انتهت بهزيمته امام الموت في حلبة المواجهة الاخيرة.
بهذه المناسبة اكتب عن الجوانب الاخرى في حياة هذه الشخصية العالمية الاشكالية العظيمة ، لأنني من الجيل الذي عاش زمن انتصاراته في الستينات والسبعينات ، وأعرف ان هذه الانتصارات في الحلبة لم تكن سوى وجه آخر للرجل الاسطورة. الجيل الذي انتمي اليه هو الشاهد على قناعاته ومواقفه السياسية والاجتماعية ، ومعتقداته الدينية والاخلاقية ، التي سجلها تاريخه ، وزادت في تألقه وشهرته ايام مجده ، وميزته عن الآخرين.
في ذلك الزمن ملأ الدنيا وشغل الناس ، فكان ذلك الملاكم المدهش فوق الحلبة « يطير كفراشة ويلسع كنحلة « حسب قوله ، كما كان الساخر في حياته ، فامتلك روح الدعابة حتى يومه الاخير ، وهو القائل :» استخدم المزاح كي أقول الحقيقة «. ولكن الاهم في حياته ، أنه قاد المجتمع الاميركي والعالم الى حالة من الصدمة في فواصل كثيرة من مسيرته الرياضية والسياسية والاجتماعية جراء قناعاته ورؤيته وحلمه.
في الرياضة ، وفي حلبة الملاكمة بالذات ، كان محمد علي معجزة عصره ، حتى قيل عنه أنه الرياضي الاعظم في القرن العشرين. تم تتويجه بطلا للعالم في الملاكمة في العام 1964 ، وكان اسمه في ذلك الوقت كاسيوس كلاي ، وكاسيوس هو اسم مؤرخ وكاتب وسياسي روماني من اصل اغريقي ، كما هو اسم أحد ابطال مسرحية يوليوس قيصر لوليم شكسبير. وبعد فوزه بالبطولة اعتنق كلاي الاسلام وغير اسمه ليصبح «محمد علي».
كان لهذا التحول تداعياته وسط معجبيه وانصاره داخل الولايات المتحدة والعالم ، الا أنه واجه هذه الضجة باصرار وارادة قوية وشحها بروح دعابته المعهودة ، وتمسك بقناعاته والتزم بتعاليم الدين ، وواظب على حضور دروس دينية في مسجد الداعية الاسلامي مالكوم اكس ( الحاج مالك ) أحد رموز حركة امة الاسلام ، وبعدها اصبح من اتباع الداعية اليجا محمد.
وفي سجل تاريخه الحافل ، كان ذلك الموقف الشجاع ، عندما رفض الالتحاق بالجيش الاميركي والقتال في فيتنام في العام 1967 ، وهو الموقف الذي دفع ثمنه غاليا ، حيث تم سحب اللقب منه ومنعه من المشاركة في المباريات ، اضافه الى منعه من السفر ومغادرة البلاد ، تماما كما يحدث في دول العالم الثالث ، أو في دولة شمولية لا تحترم حقوق الانسان وحريته. وفي ذلك الوقت تحول الى ناشط سياسي ضد الحرب في فيتنام التي قال عنها انها ضد تعاليم القرآن والدين الاسلامي ، وأنه لن يسافر الاف الاميال من اجل أن يقتل شعبا آخر.
وكان محمد علي من المعجبين بالناشط السياسي مارتن لوثر كينغ الذي طالب بانهاء التمييز العنصري ضد السود ، وهو الداعية الذي وقف ضد استخدام العنف ، وآمن بالعصيان المدني السلمي كوسيلة للتغيير ، حسب نهج غاندي في الهند ، حيث كان مارتن كينغ من المعجبين بغاندي. لذلك التحق محمد علي بحركة الاصلاح الاجتماعي وعمل بقوة الى جانب المناهضين للتمييز العنصري وكافح من أجل العدالة والمساواة واحترام الحقوق الكاملة للاميركيين من اصل افريقي. من أجل هذا التاريخ الحافل بالجرأة والشجاعة قال الرئيس اوباما :» محمد علي كان الاعظم داخل الحلبة وخارجها.. قاتل من اجل الحق.. قاتل من اجلنا «..
بمناسبة رحيله نقول للبطل الاسطورة: لك المجد والرحمة..
(الرأي 2016-06-06)
