عن محمد علي كلاي.. البطل الذي أحببناه
شخصيا لا أحب لعبة الملاكمة، وأراها رياضة وحشية، وغير إنسانية، ربما مع تقدم العمر!!، لكنني وكما أكثر المستضعفين على وجه هذه الأرض، أحببت محمد علي كلاي. كانت نزالاته بمثابة معارك كبرى لجيلنا، ننتظرها وننتظر أخبارها، وكانت انتصاراته تمنحنا الكثير من العزة في زمن التراجع والخذلان. لا شك أن إسلامه كان سببا مهما في السياق، لكن البطل “الأسطورة” كان محبوبا من قبل غير المسلمين أيضا، أعني أولئك الذين يكرهون غطرسة الإمبريالية في طبعتها الأمريكية، والتي تمرد عليها محمد علي حين رفض الخدمة العسكرية في فيتنام، ودفع مقابل ذلك ثمنا من السجن والتجريد من اللقب، والحرمان من اللعب. كان رحمه الله مع قضايا المستضعفين، من جنوب إفريقيا إلى فلسطين، وكان محبا لدينه، معتزا بقيمه، لكنه كان إنسانا قبل ذلك وبعده، مع أن الأبعاد الإنسانية هي جوهر ديننا، وهي التي كان يعبر عنها أفضل تعبير. هكذا لم يكن محمد علي هو البطل الذي يقاتل ببسالة في الحلبة فقط، بل كان البطل الذي يقاتل ببسالة أيضا من أجل قضايا الإنسان، وحقه في الحرية والعدل. من تابع المراثي التي قيلت في محمد علي من قبل المشاهير في العالم سيدرك أية “أسطورة” رحلت، وأي بطل فقد العالم، لكن مرثيات البسطاء والمستضعفين ربما تكون أكثر بلاغة بحزنهم على الرجل الذي طالما منحهم الفرح بانتصاراته، في ذات الوقت الذي أثار فيه إعجابهم بمواقفه الرجولية والإنسانية. قلة هم الذي يرحلون بشكل طبيعي في هذا الزمان ويتركون هذا الإرث الرائع من المحبة في قلوب البشر، وقد كان محمد علي واحدا من هؤلاء، ومن تابع وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين، يدرك كم كان الرجل عظيما، وكم كانت له من المكانة في قلوب الناس. ليست هذه سيرة ذاتية للرجل، فقد ازدحمت وسائل الإعلام بسيرته ومواقفه خلال الأيام الماضية (نصوصا وصوتا وصورة)، لكنها كلمة عابرة في رجل عاش بطلا في حلبات النزال وبطلا إنسانيا منحازا للحق والعدل والخير في دروب الحياة، وظل كذلك حتى آخر لحظة في حياته، هو الذي كان يعلن أنه يواجه الموت دون خوف، لأنه مؤمن يدرك أن العودة إلى الله هي المصير الطبيعي لكل إنسان، مع فارق كبير بين من نذر حياته لمساعدة الناس ونصرة المستضعفين، وبين من نذر حياته لملذاته وشهواته. رحم الله محمد علي، وأسكنه فسيح جناته، وخلف أمته والإنسانية فيه خيرا.
(الدستور 2016-06-06)