أهي تكرار للتجارب السابقة؟!
مع المضي خطوات واضحة في تأسيس حزب سياسي جديد؛ يخرج من رحم حمائم الإخوان المسلمين، ويضم نخبة من القيادات التاريخية والشباب التكنوقراط في الجماعة، فإنّ المشهد الجديد أصبح قيد التشكّل الكامل، والذي وصفناه سابقاً بـ"تعويم الإخوان سياسياً"، وعملياً الدخول في حقبة جديدة يتلاشى فيها أي دور سياسي، وربما غير سياسي، للجماعة!
الحديث، هنا، ليس عن انشقاق، كما وصفه البعض، عن الجماعة، بل عن تأسيس حزب جديد آخر منافس لحزب جبهة العمل الإسلامي، مع البقاء في الجماعة. ما يعني، عملياً، إعادة هيكلة مفهوم الجماعة ودورها ومهمتها، بل ونظرتها لنفسها؛ من جماعة شمولية تقوم بالأنشطة كافّة، إلى مجرد جماعة دعوية، وربما أبعد من ذلك مدرسة روحية تمثّل مرجعية أدبية، غير ملزمة، لمجموعة من الأحزاب والفاعلين في الحياة السياسية الأردنية.
هل التجربة الجديدة تكرار لتجارب سابقة؛ لمجموعات خرجت من رحم الجماعة ولم تستطع أن تبني شعبية مستقلة، ووقعت في "فخ" احتضان الدولة؟
في ظني، الجواب: لا؛ لأسباب عدة.
هذه التجربة ليست انشقاقاً عن الجماعة، أولاً؛ ما يعني إجبار "الإخوان" على القبول بالتقسيم والتمايز الواقعي بين الدعوي والسياسي، على غرار الحالة التونسية. فهي تخدم مشروع الجماعة نفسه، وتجبره على "التسحسل" إلى التجربة التونسية.
ثانياً، أنّها تضم القيادات التاريخية الحكيمة، مثل حمزة منصور، ود. عبداللطيف عربيات، وعبدالحميد القضاة، وسالم الفلاحات، وجميل أبو بكر، وأحمد الكفاوين، مع نخبة من الشباب المتميز والعقلاني، مثل: عاطف الجولاني، وخالد حسنين، وغيث المعاني، ومحمد وغيث القضاة، ما يعطي شرعية "داخلية" (في التنظيم).
ثالثاً، أنّ الكيان الجديد "خليط" من الخلفيات الاجتماعية المتنوعة، ما يبعده عن "أزمة الانشقاقات" السابقة، التي لم تستطع استقطاب شريحة واسعة من شباب الجماعة، ومن أنصارها. وفي الحالة الراهنة، فإنّ رموز الجماعة المنخرطين في الكيان الجديد، يمتلكون شعبية كبيرة في الأوساط الاجتماعية، ما يوفّر مبدئياً قاعدة شعبية مهمة ومناسبة للتجربة الجديدة في حال أحسنت المضي قدماً إلى الأمام.
رابعاً، أنّ التجربة الجديدة تعطي مشروع الجماعة نفسه مخرجاً تاريخياً مهماً، بل وتنقذه من المأزق التاريخي الذي وقع فيه على أكثر من مستوى. فالجماعة وقعت في "فخ العسكر" في مصر، لعدم إدراكها دهاليز اللعبة السياسية، ما ضرب المركز بقوة، وأثّر على ثقة "الجماعات" الإخوانية في باقي الدول العربية بنفسها؛ ثم جاءت التجربة التونسية لتجترح مساحة أوسع من الاستقلالية والتمايز عن التجربة المصرية؛ ثم وقعت الجماعة الأردنية في مربع الحظر القانوني، الضمني، وتخبطت في أزمتها الداخلية، وعجزت عن بناء أفق سياسي جديد في العلاقة مع الدولة.
لماذا؛ وكيف وصلنا إلى هذه النتيجة؛ أي أنّ التجربة الجديدة من الممكن أن تُخرج "الإخوان" من المأزق التاريخي غير المسبوق؟ لأنّها تنقل "الإخوان" النقلة المطلوبة نحو العمل الدعوي والروحي، وتخلق كياناً سياسياً براغماتياً جديداً، غير مشتبه بتوظيف الدولة له، وتخرج بالكيان الجديد من الأزمة الداخلية المرهقة والجدل السفسطائي بين الجماعة والحزب والدعوي والسياسي والواقعية والخطابية، فتؤسس لكيان منسجم متناغم بفكر جديد وعقلية منفتحة، ليأخذ مربع المعارضة السياسية الواقعية والعقلانية، بعدما وصلت العلاقة بين الدولة والجماعة إلى "Dead End"!
من المفترض أن يكون "الموقف حُسم"، وأن تصريح الناطق باسم لجنة المتابعة، خالد حسنين، أمس، الذي ينفي فيه أنّ القرار اتُّخذ رسمياً، هو من باب التريث والمشاورة مع باقي الأعضاء، وليس استمراراً لحالة التردد التي صاحبت هذا التيار في الفترة السابقة!
(الغد 2016-06-07)