جدل تحرير الفلّوجة.. ماذا عن الموصل إذاً؟
حين انطلقت «رسمياً» عملية تحرير مدينة الفلوجة العراقية في الثالث والعشرين من ايار الماضي, قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي: ان العملية ستكون سريعة وستنتهي خلال ايام قليلة. وإذ مضى اسبوعان على ذلك ولا يلوح في الافق ان «أُمنية» كهذه في سبيلها الى التحقق، فإن الجدل المرير الذي رافق العملية وما يزال، يُنبئ عن ان الخلافات التي تعصف بين الافرقاء العراقيين وخصوصاً تلك المبنية على اسس مذهبية فضلاً عن اتكاء كل طرف فيها عن راعيه الاقليمي وبعضهم الدولي كالولايات المتحدة الاميركية التي تُغذي في الاثناء تلك الخلافات وتضرب على الوتر المذهبي الحساس وتقول: إننا نُقدِّم الدعم للجيش العراقي والحشد العشائري ولا نُساعد اي فصيل آخر في الفلوجة. يشي ذلك كله بأن تحرير الفلوجة قد يتأخر كثيراً, إن لم نقل انه مُؤجَّل ,ربما يستطيع داعش خلاله استعادة زمام المبادرة رغم تطويق الفلوجة الذي جاء في نهاية المرحلة الثانية من العملية على ما قال قبل يومين احد ابرز قادة الحشد الشعبي المُكنّى ابو مهدي المهندس, الذي أعلَن ايضا وفي رد يستبطن تهديداً واضحاً بأننا «شركاء في التحرير ولم تنته مهمتنا بعد»، فيما قال هادي العامري القائد الشهير لمنظمة بدر: ان احداً لن يمنعنا من المشاركة في تحرير الفلوجة واستئصال الغدة السرطانية فيها (يقصد داعش).
وبصرف النظر عمّا إذا كان الجميع يحاول التمترس في خنادقه للحصول على تنازلات من الطرف الآخر او ابتزازه واستغلال حال الفوضى ومآسي المدنيين من اهالي الفلوجة، سواء اولئك الذين ما يزالون في المدينة وقد اتخذهم داعش دروعاً بشرية لتعطيل الاقتحام او إفشاله, أم اولئك الذين وُفِّرَت لهم ممرات آمنة, قيل انها كانت مثابة «فخاخ» لتصفية بعض المطلوبين او اعتقالهم, فإن «تعطيل» عملية التحرير ورفض اي طرف التراجع عن خياراته ولو في شكل تكتيكي، يؤشر الى ان الفلوجة(كما كانت في عهد الاحتلال عندما نكل بها الاميركيون وأعملوا فيها قتلاً وسفكاً للدماء وساحة لتأديب العراقيين في العام 2004، بعد ان نفذ اهالي الفلوجة حكم «الاعدام» بحق حفنة من مرتزقة شركة بلاك ووتر) قد غدت مسألة تحريرها «مناسبة» لدى تلك الاطراف العاجزة عن اتخاذ قرار حاسم والشاخصة بأبصارها نحو العواصم الاقليمية وعبر المحيطات (اميركا) علّها تجد نجدة او تُسهمِ في فهم ما يدور في اذهان صناع القرار العراقي الذي يصعب فصله عن الصراعات والحسابات السياسية المعقدة التي تفرض نفسها بقوة على المشهد الاقليمي وخصوصاً في جانبيه السوري والعراقي وامتداداته التركية والكردية وروسيا ودول الاقليم وبخاصة السعودية وايران.
ثمة اذا استعصاء ما في مسألة تحرير الفلوجة، ويبدو ان الحماسة قد فترت, بافتراض انها كانت موجودة اصلاً، لأن (طبول) التحرير قد خفتت اصواتها ولأن العقبات التي بدأت تظهر ليست فقط ميدانية تتعلق بتوزيع الادوار والمهمات على النحو الذي قيل ان مهمة الحشد الشعبي (الشيعي في لغة الاعلام واهل السياسة) لن تتجاوز مسألة تطويق المدينة وتأمين محيطها، ما يعني «مَنْعَه» من دخول المدينة, حتى لا يرتكب جرائم مذهبية وطائفية على ما قال خصومه، بل وايضاً في ما اذا كانت القوى الاقليمية (واميركا )المُتحكِّمة في مسار ومصير المعركة، يريدون تطبيق سيناريو الفلوجة على الموصل ,بافتراض تم تحرير الأولى وتم اتخاذ قرار بالذهاب الى عاصمة محافظة نينوى لدفن داعش ودولة الخلافة خاصته, اي انهم يُفكِرون (الآن) في مرحلة ما بعد الموصل, فهل ثمة ما يشي بأن قراراً كهذا قد أُتُخذ او سيُتخذ.
للموصل خصوصيتها ولهذه المدنية التاريخية العظيمة, اهمية استراتيجية تفوق ما للفلوجة من اهمية ورمزية «دينية», ومستقبل الموصل يكاد يحدد في شكل شبه نهائي مستقبل العراق, لأن «الكل» في العراق والاقليم يرى من منظاره ان فوزه او خسارته في الموصل, يعني ان عليه تسديد فواتير واستحقاقات قد تمتد طويلاً، وتؤثر على مستقبل الأنظمة والاحزاب الحاكمة, إن في تركيا التي لها قوات في «بعشيقة» كمسمار جحا الذي «دقته» ذات يوم في الخاصرة السورية والمسمّى ضريح سليمان شاه (جد عثمان الأول، مؤسس الدولة العثمانية) ناهيك عن مطالباتها التي لا تنتهي في شأن «تُركِيَّة» الموصل وانها جزء من اراضي تركيا التي يمتد خط عرضها الى حمص وصولاً للبحر المتوسط (كذا) .. ناهيك عن دور اقليم كردستان اللاعب الفاعل - والأقوى عسكرياً - في مسألة المناطق «المُتنازع عليها» مع الحكومة المركزية، وكيف يشترط لمشاركته في تحرير الموصل، الدخول في نقاش والتوصل الى اتفاق حول تلك المناطق المتنازع عليها ,حيث يرفض الانسحاب من المناطق التي حررها من داعش في محيط الموصل (دع عنك كركوك). دون اهمال الدور الايراني الذي هو حاسم في كل الأحوال, مهما قيل عن تراجع او حصول صفقات في هذه المسألة او تلك..
هل يعني ان العراق قد غَرِق في لُجّة التقسيم ولن يَخرج منها مُوَحداً؟
ثمة احتمالات واردة بأن العراق الذي كنا نعرفه .. قد بات من الماضي..
(الرأي 2016-06-07)