تونس: جدل حكومة «الوحدة الوطنية» !
لم يتوقف الجدل الذي اندلع في الأوساط السياسية والحزبية والنقابية التونسية, مباشرة بعد طرح الرئيس الباجي قائد السبسي..مُبادَرَته (هكذا وُصِفَتْ) الداعية الى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئيس وزراء جديد (غير الحالي الذي رشّحه حزب نداء تونس, عندما كان يتوفر على الاغلبية البرلمانية قبل ان يتصدع وينشق عنه رموز وكوادر مهمة، ما وضعه في المرتبة الثانية بعد حزب حركة النهضة).
يبدو ان مسألة قيام حكومة كهذه, لن يكون سهلاً بعد اعتراضات ورفض من قبل مُكوِنات سياسية ونقابية حزبية, اعلن بعضها رفضه السريع للمشاركة في الحكومة العتيدة كاتحاد الشغل الذي تعهد بدعم حكومة اوسع دون ان يُشارك فيها، فيما الجبهة الشعبية (ائتلاف احزاب وتيارات وشخصيات يسارية وقومية) ترفض ان المشاركة هي الاخرى, قبل قيام حركة النهضة بنقد ذاتي لفترة حكم الترويكا وتتحمل مسؤوليتها عن الاغتيالات السياسية في البلاد، وخصوصاً قيامها باثبات انها حزب «مدني تونسي صرف» على ما قال القيادي في الجبهة زهير حمدي في تصريحات صحفية حيث اعتبر (هو ايضاً الأمين العام لحزب التيار الشعبي) ان مبادرة حكومة الوحدة الوطنية التي اقترحها الرئيس السبسي: هي إقرار بـِ»فشل» الائتلاف الحاكم في ادارة شؤون البلاد.
ليست الصورة مشرقة على اي حال، إن لجهة الأسباب التي ساقها الرئيس التونسي لتبرير مبادرته وتم حصر مهمة الحكومة الجديدة، التي وصفها (حكومة الوحدة الوطنية) في انعاش الاقتصاد الواهن ومواجهة التحديات وخفض التوتر المتأتي عن سوء الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة والفقر, ام لجهة ردود فعل الاحزاب والمكوِنات السياسية والاجتماعية والنقابية الاخرى التي وإنْ رأت في «المبادرة» اعتراف بأن حكومة الحبيب الصيد التي لم تكمل عامها الثاني في الحكم (تشكلت في شباط 2015) والتي تشارك فيها حكومة النهضة مع حزبين صغيرين اضافة بالطبع الى نداء تونس الذي يقودها في شخص الصيد، قد اخفقت في تنفيذ ما أُوكل اليها من مهمات, ولهذا فإن المبادرة في نظر فاعليات تونسية وازنة. مثابة هرب الى الأمام اكثر منها رغبة في توسيع المشاركة وجذب المعارضة (اليسارية في معظمها) الى دائرة المشاركة في تحمل المسؤولية الوطنية، لأن الحكومة العتيدة التي قال الرئيس السيسي ان المطلوب منها ان تكون اكثر «جرأة» داعياً الى ان يشارك فيها اتحاد الشغل (القوي الذي نال جائزة نوبل للسلام ضمن رباعي الحوار كما هو معروف) واتحاد ارباب العمل المعروف اختصاراً بـ»الأعراف» والاحزاب المشاركة في الائتلاف اضافة الى اطياف المعارضة ومستقلين، لن تكون لها (الحكومة المطلوبة) القدرة على انجاز ما طُلِب منها, اذا لم يكن هناك «برنامج» سياسي واقتصادي واجتماعي واضح, يأخذ في الاعتبار وجهات نظر الجميع وقراءته للمشهد التونسي في بعديه الداخلي والخارجي, وان لا تكون بالتالي اسيرة «ايديولوجية» الحزبين الاكبرين, النهضة ونداء تونس ,وخصوصاً ان الاولى لم تخلع على نحو واضح ونهائي عباءة الاسلام السياسي بعد قرار مؤتمرها الاخير التخلي عن «الدَعَوي» لصالح «السياسي»، فيما الحزب الاخر - نداء تونس - هو اقرب الى تجمع حزبي فضفاض يضم فئات وشخصيات متباينة الرؤى والقراءات, منها مَن لا يزال يحن الى عهد بن علي وهم يُسمّون حتى الان بـِ»الدستوريين» نسبة الى اسم الحزب الحاكم المُنحل، وغيرهم ممن لم يجدوا مكاناً او متسعاً في التيارات التي انبثقت بعد ثورة 14 جانفي/ كانون الثاني 2011.
احتمالات قيام حكومة كهذه تبدو غير مشجعة, بعد الرفض المعلن والحاسم من قِبل جهات واحزاب يسارية وعدم حماسة مستقلين للمشاركة فيها رغبة منهم في الابتعاد عن «سفينة» تبدو في نظرهم جانحة, فيما تجد النهضة نفسها في وضع لا تُحسد عليه, وهي وإن رغبت البقاء في سدة الحكم (على ما تعودت ورغِبَ قادتها) إلاّ انها ترى ان ما تعانيه تونس من مشكلات وما تعصف بها من ازمات وبخاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والامني حيث وتيرة الارهاب لم تنخفض رغم ما احرزته القوات التونسية في مواجهة الجماعات التكفيرية والارهابية من انجازات، إلاّ انها لم تُحسم بعد, والاوضاع المتدهورة في جارتها الشرقية (ليبيا) لا توحي بان خطر الارهاب وتحدياته قريبة الزوال.
اين من هنا؟
المستقبل السياسي لرئيس الحكومة الحبيب الصيد يبدو انه قد حُسِمْ ,بعد ان لم يعد مرغوبا في بقائه (بدلالة بنود المبادرة الرئاسية ذاتها) وأما امكانية الاتفاق على برنامج الحكومة الجديدة قبل تسمية رئيس الوزراء المقبل، فاحتمالاته هو الاخر ضعيفة, لان المشاركة السياسية والحزبية فيها - إن قامت - ستكون غير شاملة, يصعب وصفها حينذاك بحكومة الوحدة الوطنية، ما يعني ان الانتظار سيطول.. ربما.
(الرأي 2016-06-10)