التطرف والكراهية: أين مجال المعرفة؟

تم نشره السبت 11 حزيران / يونيو 2016 12:46 صباحاً
التطرف والكراهية: أين مجال المعرفة؟
إبراهيم غرايبة

"العلم والعقل لا ينشِئان أيديولوجيا".

لا ينشئ المتطرفون، والأيديولوجيون بعامة، مواقفهم الأيديولوجية، ثم مشاعر الولاء والكراهية المستمدة منها، بناء على موقف أو جهد علمي عقلاني؛ هم لم يبحثوا في المصادر الدينية والفكرية ويقارنوا بين الأدلة والاتجاهات. فهؤلاء الذين يتساءلون ويبحثون عن الإجابات ويرجحون بينها ويواصلون البحث والتفكير، ينشئون اتجاهات ومواقف عملية وتطبيقية في الفقه والسلوك والتفكير، قد تكون صحيحة أو خاطئة أو ملتبسة؛ وهم حتى إن كانوا منتمين إلى اتجاهات وأفكار متطرفة، فإن الأفكار الناتجة عن المجهود العقلي والبحثي الذي يبذلونه تؤدي إلى نتائج مستقلة عن موقفهم وانتمائهم الأيديولوجي، فقد يستخدمها الباحث في مجال عمله واختصاصه المهني أو العلمي، أو في الفقه والعبادة، لكن الموقف الأيديولوجي حالة نفسية مستمدة من المواقف والتجارب والاتجاهات النفسية التي تشكل الشخصية عبر التجارب والمؤثرات والأفعال وردود الأفعال والذكريات.

المعتقدات مثلنا، أو هي جزء منا، وتعكس شخصياتنا وهوياتنا. وفي ذلك، فإنها تميزنا وتنشئ موقفنا من الآخر الذي لا يعتقد مثلنا؛ فيصبح ليس منا، أو مختلفا عنا، أو عدوا أو مكروها. ثم نطور موقفنا منه (الآخر) أو اعتقادنا عنه، بأنه يريد إيذاءنا، ومن ثم تجب إزاحته أو إقصاؤه أو اخفاؤه من الوجود... فتبدو عمليات الإقصاء والإبادة كأنها دفاع ضروري عن الذات، أو هي تعكس الخوف الوهمي على وجود الذات ومصيرها.

وفي ذلك، فإن الردّ على التطرف والكراهية والحوار مع أصحابهما أو التأثير عليهم، لا يندرج في الجدل والتأثير العلمي والعقلي. ولا تفيد هنا المؤسسات الدينية والتعليمية والأكاديمية إلا بمقدار ما تساعد الأفراد والمجتمعات على بناء الشخصية السوية والمستقلة والقادرة على تحمل المسؤولية والمشاركة والانتماء. أما الردود العلمية والفقهية والفكرية على المتطرفين، فإنها تفيد المعتدلين ولا تؤثر على المتطرفين. وبالطبع، فإنه أمر جيد أن يتعرف غير المتطرفين على أفكار المتطرفين ومصادرهم.

وبالنظر إلى الكراهية على أنها حالة ثقافية أو موقف جماعي أو فردي، فإن المواجهة لا تكون إلا ثقافية؛ بناء ثقافة جديدة مناهضة للكراهية. لكن الثقافة عملية وعي معقدة، تنشئها المجتمعات أولا، وتخصها أكثر من السلطة السياسية. وتتشكل الثقافة في متوالية معقدة من التفاعلات والاستجابات مع الموارد وإدارتها وتنظيمها، والمنظومة الاقتصادية والسياسية المتشكلة حول المكان والموارد، ثم بما يحكمها ويؤثر فيها من تاريخ وقيم وعلاقات. وما يمكن اقتراحه وتنفيذه من سياسات وبرامج ثقافية لا أهمية له في الواقع إلا بمقدار ما يحمله الأفراد وتلتزمه المجتمعات، وهو ما لا يمكن تحقيقه بمجرد تشريعات ومؤسسات وبرامج وتوجيهات واقتراحات. ولن تفيد المؤسسات الإعلامية والثقافية إلا بمقدار ما تؤثر في اتجاهات الأفراد والمجتمعات.

وقد أصبحت الثقافة، كما الإرهاب والتطرف، متصلة بخيارات واتجاهات عالمية. ولا يكفي أن تكون الدولة والمجتمع على قدر من الحصانة الثقافية من التطرف والكراهية، ولكن لا بد من المشاركة في العالم على نحو صعب ومعقد؛ لأجل التأثير في العالم والتفاعل معه في التلقي والتأثير والانتماء العالمي والتقبل العالمي أيضا، ثم بناء اتجاهات عالمية نحو التسامح ومواجهة الكراهية.

ويظل أصعب ما يمكن قوله في مواجهة الكراهية والتطرف، هو أن ذلك يعني بالضرورة وجود مجتمعات حرة مستقلة. وهي حالة لا تقف في تأثيرها وحدودها عند نبذ الكراهية والتطرف، ولكنها تمتد إلى موقف نقدي وعقلاني من جميع السياسات والتشريعات والمنظومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وهكذا، فلا يمكن بناء الاعتدال من دون بناء فكر حر ونقدي. ومشكلة الحكومات أنها تريد فرض الاعتدال مثلما تفرض أسعار المحروقات.

(الغد 2016-06-11)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات