هل يخدعوننا ثانية؟
عندما تتعاظم التحديات الاقتصادية على الدول، تصبح الحاجة ملحة لنخبة قادرة في مراكز القرار. وليس خافيا علينا جميعا أن ضغوط صندوق النقد الدولي كبيرة وخطيرة في مواجهة خيارات الاقتصاد الأردني المقبلة؛ وأن الفقر والبطالة وشح الاستثمار وتعقيدات التجارة والتصدير وتورم المديونية وغيرها من التحديات، تتطلب وجود رجال تشريع ورقابة حقيقيين أقوياء!
أقول ذلك بعد مرور سريع على نتائج رصد وتقييم أداء مجلس النواب السابع عشر، والتي أعلنها مؤخراً مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني. فأعمال المجلس على امتداد 40 شهرا جاءت مخيبة للآمال، دون حجم التحدي الاقتصادي. علاوة على كون الأداء مرتبكا. فكثيرة هي الجلسات التي عقدت من دون نصاب قانوني، في مخالفة للدستور. وهو بحق "مجلس المقاعد الفارغة" كما سماه تقرير مركز الحياة؛ إذ سجل 6191 غيابا خلال 283 يوم عمل، وأقر 175 قانونا في 181 يوم عمل تشريعي، بما يعني إقرار قانون كل يوم عمل، وهذا يشير إلى "سلق" التشريعات. والأكثر فداحة أن الرقابة غابت عن المجلس شكلا ومضمونا؛ بأسئلة النواب واستجواباتهم الشحيحة.
فشل مجلس النواب فشلا ذريعا في تعزيز الثقة مع المواطنين. وتتوافق نتيجة الرصد والتقييم هذه مع استطلاعات رأي عديدة وصلت إلى النتيجة ذاتها؛ فالمجلس لم يكن منشغلا بالشعب وهمومه الاقتصادية، بقدر ما كان منغمسا بمصالح خاصة وشخصية، باستثناء عدد قليل جدا من النواب. وكانت فضيحة التعيينات لأقارب النواب خارج الأُطر القانونية مثالا صارخا على ذلك!
لنتعلم من درس الماضي القريب. إذ مع عظم التحديات الاقتصادية، فإن عودة الوجوه ذاتها سيعني مزيدا من الفشل. وفي تقديري أن شروطا قاسية فرضها وما يزال صندوق النقد الدولي، ترتبط بمزيد من القرارات الاقتصادية الصعبة للفترة المقبلة؛ مثل إلغاء الدعم نهائيا عن أسعار معظم الخدمات المقدمة للمستهلكين، بما يؤسس لغلاء جديد يصعب التكيف معه.
وقد ألزمت الدولة نفسها أمام "الصندوق" بخفض المديونية خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى نسبة 77 % من الناتج المحلي الإجمالي، نزولا من نسبة 93 % حالياً. وتشير الالتزامات المقبلة إلى تحرير لأسعار خدمات عديدة، بحيث يكون المستهلك الأردني في غضون العامين المقبلين أمام السعر العالمي لمعظم احتياجاته الاستهلاكية. وبهذا المعنى، فإن شروط النجاح الأولى للتعامل مع هذا المشهد، تعني عدم استنساخ من فشل في السابق في إدارة ملفات اقتصادية أقل شأنا من تلك التي سنراها في السنوات المقبلة.
الانتخابات ليست استحقاقا دستوريا فحسب، بل هي تؤسس لمصلحة اقتصادية كبيرة إن أحسن الناخبون اختيار ممثليهم. أما تكرار منح الثقة لمن لا يستحقها، فسيضعنا جميعا أمام حالة أكبر من الفشل قد لا يمكن تداركها.
(الغد 2016-06-11)