تغيرات خطيرة في غزة
تشهد غزة كارثة انسانية غير مسبوقة، لم تشهدها منذ عشرين عاما، والذين يعيشون في غزة، يحكون حكايات مؤلمة جدا، لما يجري، بما يثبت ان الحصار المفروض على غزة، بات يترك اثرا حادا على البنية الاجتماعية، يلمسه كل الغزيين. في رمضان يعيش القطاع وضعا غير مسبوق، فأغلب الناس، بلا دخول، ولا مال، ولارواتب، والتجار يعانون من كساد في بيع بضاعتهم، والحرمان في كل مكان في القطاع، جراء انعدام السيولة المالية، جراء عدم وجود رواتب من جهة، وجراء اغلاق الانفاق، ثم توقف دخول الاسمنت للقطاع، مما يعني وقف عمالة الالاف، وعلينا ان نرى المشهد بكل مرارته، فالالاف البيوت بلا دخول في رمضان، وقبل رمضان. مع هذا كل المعابر مغلقة، سواء مع مصر، او الاحتلال الاسرائيلي، هذا فوق اتخاذ دول عربية لاجراءات احترازية، تمنع دخول الغزيين، بسبب قرار اسرائيل، منع عودة ابن غزة، اذا غادرها الا بعد عام، وهذا يعني بقاء ابن غزة في الدولة العربية التي وافقت على دخوله،والخنق هنا، يشمل الجميع، سواء الغزيين الذين يسافرون للعمل او للعلاج او للدراسة، وهو خنق له اثار اجتماعية واقتصادية ومعنوية خطيرة جدا. يحكي الغزيون عن انتشار المخدرات بشكل غريب في القطاع، وبأسعار رخيصة، والمؤكد هنا ان اسرائيل تريد خلخلة البنية الاجتماعية للقطاع، عبر اغراق شبابه بكل الموبقات، واهمها المخدرات حتى لو بيعت بأقل الاثمان او تم توزيعها مجانا، لان الهدف تدمير الحصانة المعنوية، وتجذير اثار الحصار، وهذا احد التغيرات المستجدة على القطاع. انتشار الامراض النفسية، وحالات الانتحار، والشعوذة والسحر، والتخلي عن الاطفال، والمشاكل بين الازواج، ظواهر تشتد في القطاع، بشكل مستجد، ولايراد هنا، تشويه سمعه اهلنا في غزة، بل الكلام عن تأثيرات الحصار، للتحذير من بقائنا متفرجين، باعتبار ان الحصار، بات امرا مستداما، وان اهل القطاع ادمنوا الحالة، ولايحتاجون الى تدخل او حلول، فهذا هو شأن اغلبنا، اعتبار الحصار امرا واقعا، دون ان نستبصر الاثار التي يريد الاحتلال ايقاعها بالناس، وقد بدأت اثارها بالظهور يوما بعد يوم. كارثة الناس في غزة لاتتعلق بالطعام والشرب، ولابقطع الكهرباء، وحسب، بل في تحويل حياتهم الى جحيم، وتغطية هذا الجحيم بشعارات براقة، يتم بثها عبر الاعلام، لايغير من الواقع شيئا، ونحن امام الاف البيوت المهدومة كليا، والاف البيوت مهدومة جزئيا، ولاتدفق للمال العربي او الاجنبي للتخفيف مما يجري في غزة. ان مشهد غزة، يفرض تدخلا وتغيرا جذريا، فلايمكن لحكومة رام الله ان تبقى متفرجة على القطاع بذريعة ان حماس اختطفت القطاع، ولايمكن لحماس ايضا، ان تديم هذا الحال، تحت عنوان المقاومة وصد الرغبة بأنهاء المقاومة، هذا فوق ان المستفيد الوحيد هو اسرائيل التي تريد القطاع مفصولا مخنوقا معزولا، بلا مصالحة، وبلاحياة، والمؤكد ان اسرائيل ذاتها لاتريد مصالحة فلسطينية، لانها تريد فصلا جزئيا لمشروع الدولة الفلسطينية عن بعضهما البعض وادامة هذا الفصل بطرق مختلفة. ان اثار الحصار التي قد يخفيها البعض، تقول ان القطاع امام مأساة اجتماعية ومعنوية واقتصادية، بدأت اثارها تظهر على الناس، وذات ابناء غزة، يثيرهم الاستغراب مما يرون، لكنهم يعرفون ان اثار الحصار، بدأت بالظهور فعليا على الناس، ولا افق قريبا ، حتى الآن برغم الكلام عن انفراجات سياسية، بواسطة الاتراك، او عن حروب مقبلة، باعتبارها طوق نجاة جديد.
(الدستور 2016-06-11)