الشفافية في العلاقات الدولية
وسائل الاتصال الحديثة، والتكنولوجيا المتطـورة، وحرية البحث والتعبير والنشر، ومراكز الدراسات الاستراتيجية، أدت جميعها إلى تقليص دور السرية في العلاقات الدولية، وربما نهاية عصر المؤامرات السرية.
المؤامرات التي كانت تحاك وراء أبواب مغلقة، والتواطؤ بين الأقوياء سراً لتحقيق أهداف غير معلنة، كل هذا أصبح في حالة تراجع، ليس بمعنى التوقف عن التآمر كنشاط دبلوماسي بل بمعنى أن التآمر أصبح يتم على المكشوف كمواقف رسمية.
في جميع الحالات فإن هدف الحكومات والدول والأنظمة من التآمر هو الحصول على مصلحة أو تجنب ضرر أو خطر، وهذه الأهداف التي كانت في بعض الحالات لا تتحقق إلا بالتآمر السري، أصبحت تتحقق بالتخطيط المعلن، وتجري مناقشتها علناً، ويتم عند اللزوم فرضها بالقوة في وضح النهار.
في عالم اليوم لم يعد القرار السياسي عملاً يأخذه فرد أو زعيم حتى لو كان منتخباً بطريقة ديمقراطية، السياسـة والقرارات في البلدان المتطورة تطبخ على نار هادئة، وتبدأ في مراكز الفكر الاستراتيجي، وتناقش علناً، في وسائل الإعلام والحملات الانتخابية، ويتحمل صاحب القرار مسؤولية وضع الخاتم الاخير على مشروع قرار مدروس وناضج، كلفته محسوبة، ونتائجه المحتملة محددة، وبدائلة مدروسة.
لم يعد لازماً التخمين حول وجود مؤامرة، أو القول بأن ما يحدث في العالم ليس سوى حصيلة مؤامرات يجري إعدادها في الظلام، بل قد يكون نتيجة تخطيط ومواقف معروفة ومعلنه.
تأييد أميركا لإسرائيل على الخير والشر دون تحفظ ليس مؤامرة، بل سياسة معلنة. أميركا لم تؤسس القاعدة ولكنها وجدتها موظفتها في محاربة الاتحاد السوفييتي. ولم تخلق داعش ولكنها وجدتها فوظفتها لتحقيق أهدافها، ولو لم تأت ِ داعش فإن أميركا كانت ستسعى لتحقيق نفس الأهداف بوسائل أخرى وبكلفة أعلى.
إسرائيل لا تتآمر على الدول العربية بل تملك سياسة مقررة ومعروفة بهذا الاتجاه، فلا يجوز مثلاً ترك دولة عربية تبني قوة يمكن أن تهدد أمنها، فهي فجرت المفاعل النووي العراقي علناً وفي ضوء الشمس، وقد سعت علناً لتدمير أية قوة عربية صاعدة، بدءاً بالعراق ومروراً بسوريا، والدور على مصر.
في كثير من الأحيان لا تحتاج إسرائيل للتآمر على العرب لأنهم يتأمرون على بعضهم، ويقومون عنها بما يحقق مصالحها، وما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن وسيناء بأيد عربية يحقق مصالح إسرائيل دون أن يكلفها شيئاً.
الشفافية في العلاقات الدولية جعلت المعلومات متاحة للشعوب التي من حقها أن تعرف وأن تحاسب، وتعني نهاية عصر المؤامرات السرية التي يستخدمها الفاشلون لتبرير فشلهم.
(الرأي 2016-06-11)