رسائل عملية تل أبيب في السياق الفلسطيني
بينما كان الصهاينة يحتفلون بانتهاء ما سمّوها “موجة العنف الأخيرة” التي بدأت منذ العام الماضي، وكانت السكاكين عنوانها الأبرز، مع فعاليات شعبية كثيرة في القدس وعدد من المدن الفلسطينية، وبينما كانوا يستمتعون بموجة الغزل العربي، ومعها العلاقة الحميمة مع روسيا، جاءتهم عملية تل أبيب على حين غرة، لتذكّرهم بأن الصراع على هذه الأرض لن يتوقف، وأن روح المقاومة في الشعب الفلسطيني لم تنته، ولن تنتهي أبدا مهما تعاون معهم المتعاونون، ومهما ملكوا من أدوات البطش والقوة على كل صعيد. من كان يتابع هذه الروح المتمردة في السياق العربي خلال السنوات الخمس الماضية، كان يعجب من تراجع الفعل الفلسطيني، وحين اندلعت انتفاضة القدس عاد الوهج من جديد، قبل أن تتمكن موجة التعاون الأمني، ومعها عمليات إعادة تشكيل الوعي التي تمضي حثيثا منذ 2004، من لجم الانتفاضة بهذا القدر أو ذاك. والحال أن روح المقاومة في السياق الفلسطيني لم تتراجع أبدا، بدليل البطولة التي اجترحتها غزة خلال ثلاث حروب مهمة، وبدليل ذهاب العشرات من الشبان والفتيات نحو شهادة شبه مؤكدة بسكين لا غير، لكن المعضلة هي أن حجم الضغط الذي مثلته منظومة التعاون الأمني لم يكن سهلا بحال من الأحوال. قبل أسابيع كان ثلاثة شبان يختفون في سياق من التحضير لعملية، فما كان من منظومة التعاون الأمني إلا أن طاردتهم دون هوادة حتى تمكنت من إلقاء القبض عليهم. بطلا “يطا” كان يمكن أن ينتهيا إلى ذات المصير، لكنهما تمكنا من التسلل والوصول إلى الهدف بسلاح بسيط، فكان أن أوجعا الغزاة قبل أن يتمكن من السيطرة عليهما بعد نفاد ذخيرتهما (أصيب أحدهما)، ولو كان لديهما الكثير من السلاح لما قصّرا، وهما ذهبا بنية الشهادة وليس الوقوع بيد الغزاة. من تابع الاحتفال الفلسطيني بالعملية البطولية، كما عكست ذلك مواقع التواصل الاجتماعي (فضلا عن الترحيب العربي والإسلامي طبعا)، يدرك أن روح المقاومة لا زالت تسري في شعبنا البطل، لكن الظروف عموما لا تعمل في خدمته، وبطلا يطا ليسا استثناءً، فهناك المئات، بل الآلاف ممن يتمنون الحصول على سلاح يوجهونه إلى صدر عدوهم، ولكن أنى لهم ذلك، والفصائل مطاردة؛ مالا وسلاحا، بل حتى مواقع التواصل شملتها المطاردة من أجل التقاط أي نية لدى شاب من هنا أو هناك. ألم يقل الرئيس إنه يفتش حقئاب تلاميذ المدراس بحثا عن السكاكين؟! في فلسطين روح مقاومة لا تخمد أبدا، لكن المعضلة هي ذاتها منذ 2004، ولغاية الآن، والمصيبة الأسوأ أن الفصيل الفلسطيني الأكبر بجانب حماس (أعني فتح) لا زال ينسجم مع مساعي السلطة للجم أي مقاومة؛ ما يجعل الأمر في غاية الصعوبة. عملية تل أبيب حالة نجاح، وهناك كثيرون يفكرون بمثلها وأكبر منها، وقد ينجح آخرون بعدها، لكن الرسالة الأهم لها هي أن على هذا الأرض شعب لن يستكين للغزاة، ولن يستكين لخطاب الانبطاح، وسيظل يبحث عن وسيلة يوجع بها عدوه. أما الأهم فهو أنها رسالة لرموز التعاون الأمني ومن يدافعون عنهم بأن عليهم الكف عن مطاردة وهمِ التفاوض مع عدو لن يمنحهم سوى سلطة تحت عباءة الاحتلال على أقل من 10 في المئة من فلسطين التاريخية، وعليهم تبعا لذلك أن يعودوا إلى شعبهم، ويختطوا المسار الذي سارت عليه كل الشعوب الحرة في مواجهة الغزاة.
(الدستور 2016-06-11)