هيلاري وراسل والقضية الفلسطينية !
اكتب حول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل وقضية الشعب الفلسطيني ، بمناسبة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة . قبل نصف قرن أجرى مذيع بريطاني لقاءه الاخير مع برتراند راسل قبيل رحيل الفيلسوف البريطاني بقليل . في نهاية اللقاء سال المذيع ضيفه الفيلسوف الكبير : ماهي الرسالة التي تحب ان توجهها للمستمعين لهذا اللقاء بعد الف عام ؟
أجاب برتراند راسل ما معناه : «في ذلك الزمن سيكون عدد السكان أكبر ، وسيقترب الناس من بعضهم اكثر ، وستكون الموارد قليلة ، بحيث تكثر الصراعات ، لذلك عليهم بالمحبة والتسامح لانقاذ العالم ، لأن الكراهية قد تتسبب بفناء البشرية .
ما توقع حدوثه الفيلسوف راسل بعد الف عام نراه اليوم امامنا ونخشاه ، في منطقتنا وفي العالم ، بسبب سياسات الكبار، ونتيجة للصراع الدائر بين الدول الكبرى من اجل مصالحها ، على حساب الدول الصغيرة قليلة النمو ، والامم الفقيرة ، والشعوب الصغيرة . لذلك يتابع العالم مراحل معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة باهتمام ، لعل وعسى أن ياتي من هو اقل تطرفا وتهورا ، وأكثر عقلانية ، ليس من اجل مصلحة اميركا ، بل من أجل راحة وسلام الشعوب الاخرى ، خصوصا الشعوب الأقل حظا .
عندما اشاهد بعض لقاءات المرشح دونالد ترامب ، واستمع لبعض خطاباته واحاديثه المتطرفة الطافحة بالعنصرية ، ادرك ان العالم مقبل على كارثة ، واتذكرالفيلسوف البريطاني راسل حين قال : « مشكلة العالم أن الاغبياء المتشددين واثقون بانفسهم اشد الثقة دائما ، اما الحكماء فتملأهم الشكوك « . صحيح أن المرشح ترامب واثق بنفسه ، ولكنه سيكون الخاسر بسبب تشدده واندفاعه نحو التطرف في دولة تملك قدرة عسكرية هائلة هي الكبرى في العالم .
لذلك ارى أن هيلاري كلينتون ستعود الى البيت الابيض ، ليس كسيدة اولى كما كانت ، بل حاملة لقب « رئيس الولايات المتحدة ، لتتبادل الادوار مع زوجها الرئيس الأسبق بيل كلنتون . أما بالنسبة لنا نحن العرب ، ، وبالنسبة لمصالحنا وقضايانا ، نرى أن كل الخيول متشابهة . فهناك التزام وراثي متسلسل بأمن اسرائيل ومصالحها . هذا الالتزام تاريخي ومقدس ، وبتعاليم يتبعها كل رئيس اميركي يدخل الى البيت الابيض ، رغم الوصية التي وردت في سفر الخروج بالانجبل وتقول : « لا تتبع الجموع الى الشر « ..
الحقيقة اننا تابعنا باهتمام تفاصيل كل الانتخابات الرئاسية الاميركية الأخيرة ، وكل الرؤساء وعدوا بحل القضية وانهاء الصراع العربي الاسرائيلي ، وآخرهم كان الرئيس اوباما الذي وعد بتنفيذ حل الدولتين ، وبغباء ساذج ، تفاءلنا كثيرا ، ولكن شيئا لم يحصل ، بل تم اطلاق يد حكومة اليمين في تنفيذ مشروع التهويد والاستيطان وممارسة المزيد من القمع والاضطهاد في الاراضي المحتلة ، وهو مشروع يحمل بذور صراع لا ينتهي .
وهنا اسمحوا لي ان أقتبس ما كتبه الفيلسوف البريطاني برتراند راسل قبل وفاته بأيام معدودة عن حق الشعب الفلسطيني بالعودة الى وطنه تحت عنوان « عن اسرائيل والقصف « كتب : « ماساة شعب فلسطين هي اعطاء بلاده بقوة خارجية لشعب آخر من أجل بناء دولة جديدة . الى أي حد سيتحمل العالم رؤية المشهد من القسوة والوحشية ؟ انه واضح بما فيه الكفاية أن الفلسطينيين لهم كل الحق بالعودة الى وطنهم ، وانكار هذا الحق هو جوهر الصرع الدائم ... ان التوصل لتسوية دائمة عادلة لقضية اللاجئين في وطنهم عنصر اساسي لأي تسوية حقيقية في الشرق الاوسط « . هذه الكلمات كتبها واعلنها برتراند راسل قبل نصف قرن ، وما زلنا نسمع صداها حتى اليوم ، فهل يسمعها العالم ، وخصوصا رئيس الولايات المتحدة الجديد ؟ وعلى الارجح انها هيلاري كلينتون ، لأن البيت الابيض سيكون بلا ترامب بسبب جموحه وجنوحه ، وبسبب انقسام الحزب الجمهوري حوله .
وبهذه المناسبة اريد ان اختتم الكلمات بقول لونستون تشرشل : « امبراطوريات المستقبل هي امبراطوريات العقل « ..
(الرأي 2016-06-13)