"اختبار مفصلي"؛ لمن؟!
خطوتان على درجة كبيرة من الأهمية أقدم عليهما، أول من أمس، كلّ من جماعة الإخوان المسلمين "الأم"، وحزب جبهة العمل الإسلامي، تمثّلان مجتمعتين رسالة "حسن نيّة" واضحة تجاه الدولة، ولتجاوز ذيول المرحلة السابقة المعقدة والصعبة.
الخطوة الأولى، كانت الإعلان عن تشكيل "لجنة مؤقتة" لإدارة شؤون الجماعة، خلفاً للمكتب التنفيذي الصقوري السابق، الذي قاد العلاقة مع الدولة إلى مرحلة "ما بعد الحافة". وقد اختيرت أسماء مرغوبة من قبل مراكز القرار، ومحسوبة على الحمائم أو على التيار البراغماتي عموماً، مثل عبدالحميد ذنيبات وعزام الهنيدي، من أجل ترطيب الأجواء ومحاولة فتح قنوات الحوار.
في الكواليس، كانت الرغبة لدى "مطبخ الجماعة" الحقيقي في اختيار أسماء ثقيلة الوزن؛ مثل د. عبداللطيف عربيات وحمزة منصور وقيادات مبادرة "الشراكة والإنقاذ" (أي الحكماء)، لكنهم اعتذروا، فكان البديل هو اللجنة الحالية الخليطة من جناحي الحمائم والصقور، لكن مع إعطاء أفضيلة القيادة للحمائم.
وهي خطوة تنم عن حسن نية، ليس فقط لوجود الحمائم، بل ما هو أهم من ذلك تجنب استفزاز الدولة؛ إذ لم يتم اختيار مراقب عام جديد ومكتب تنفيذي، بل لجنة مؤقتة، ما يعني اعتراف الجماعة بالأمر الواقع، وتجنب المواجهة المباشرة مع الدولة. وسبق ذلك، أصلاً، تحويل انتخابات مجلس شورى الجماعة إلى عملية اختيار وتزكية، تجنباً -أيضاً- لأي خطوة توصف بالاستفزاز.
أمّا القرار الثاني، فيتمثّل في إعلان مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي قراره بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، بعد قرابة 9 أعوام من مقاطعة الانتخابات والعملية السياسية. وهو موقف يمنح العملية الانتخابية زخماً جيداً، ويعطيها لوناً سياسياً.
تأتي مشاركة "جبهة العمل الإسلامي" نيابة عن جماعة الإخوان المسلمين (الأم)، بمثابة اختبار كبير ومفصلي للحركة، بعد المخاض التاريخي الذي مرّت به الجماعة في الأردن، على وقع أزمتها الداخلية البنيوية التي أدت إلى انشقاقات عصفت بوحدة الجماعة، ونجم عنها تأسيس (جمعية) جماعة الإخوان المسلمين الجديدة، وتأسيس حزب "زمزم"، وإعلان الحكماء نيتهم تأسيس حزب جديد.
وهو مخاض في العلاقة مع "أجهزة الدولة"، بعد القيام، عملياً بحظر الجماعة. وقد وصلت العلاقة بين الطرفين إلى "نهاية المطاف". وهو كذلك مخاض على مستوى إقليمي بعد ما حدث في مصر، وتضعضع موقف جماعة الإخوان المسلمين هناك، والخلافات داخلها، وبروز الصورة الأخرى للإسلام السياسي بنسختيه التونسية والمغربية.
من الضروري أن نكتشف بعد كل ما جرى حقيقة الأمور على أرض الواقع؛ ما هو حجم قوة "الجبهة"، وقدرتها على حماية قاعدتها الاجتماعية، وما مدى خطورة النزيف الداخلي الذي خلفته المرحلة السابقة بكل ما فيها، هل بالإمكان ترميم "الجبهة" واستعادة دورها السياسي داخل العلبة السياسية مرةً أخرى؟.
الانتخابات النيابية، أيضاً، اختبار مهم وخطير للدولة نفسها. فمشاركة إسلاميي "الجبهة" ستمثّل تحدياً كبيراً، بعد فترة غياب طويلة، لما لهم من ثقل شعبي، ولما يمثلونه من صوت معارض للسياسات الرسمية عموماً، فكيف ستتعامل الدولة مع هذا الواقع؟ هل ستصر على مصداقية عملية الإصلاح والانتخابات النزيهة لتحمي سمعتها وشرعية العملية السياسية وتأتي ببرلمان يمثل مختلف الأطياف، ويتم حجز مقعد المعارضة فيه، أم أنّ غواية الصراع مع الحركة والتوق إلى الإطاحة بها سيتغلب على حسابات الدولة، فتخسر كل شيء من أجل تحقيق مكاسب جزئية صغيرة؟!
في السابق، فُسّر كل شيء بوصفه تصفية حسابات للمراحل السابقة، وتم نزع الصفة القانونية عن الجماعة. لكن اليوم "الجبهة" هي حزب مرخص، ويمتلك شرعية قانونية وسياسية، ويعلن عن رغبته المشاركة في الانتخابات، فلا يوجد أي عذر للمسؤولين!
(الغد 2016-06-13)