العقاب المُزدوج !
روى صالح برانسي للدكتور هشام شرابي في كتابه تجربة في التاريخ الشفوي حكاية تجسّد سادية الاحتلال، قال ان بلدته « الطيبة « ابتليت بضابط اسرائيلي اسمه بلوم كان يعاقب المارة اذا لم يسلّموا عليه، ثم يعاقبهم اذا سلّموا، لأن العقاب بالنسبة اليه جاهز كما وصفه ميلان كونديرا، ويبحث عن مُتهم وحين لا يجده يخترعه، لكن سادية الضابط بلوم ليست حكرا على الاحتلال، فهناك بيننا من هم على شاكلة بلوم، يعاقبوننا اذا فشلنا ثم يكون عقابهم اشد اذا نجحنا، خصوصا اذا كان هؤلاء من ذوي القربى في ثقافة افرزت مثلا شعبيا لا مثيل له في كل ثقافات الشعوب وهو الأقارب عقارب . ان العقاب على الفشل قد يكون مفهوما شرط ان لا يكون مشوبا بالشماتة، فالأب يعاقب الابن احيانا ليس لأنه يريد ان يلحق به اذى بل ليلقحه مبكرا ضد الأذى الذي قد يلحق به فيما بعد . لكن محترفي العقاب في السراء والضراء والفشل والنجاح هم أناس مصابون بعطب نفسي ولا يحبون شيئا كالأطلال والخرائب كي ينعقوا فوقها . واحيانا يكون العقاب على النجاح انكى واشد من العقاب على الفشل، لأنه يفتضح نزعة عدوانية، وتلذذا ساديا كذلك الذي كان يمارسه الضابط بلوم، واكاد اجزم ان من يقرأ هذه السطور ستقفز الى سطح ذاكرته مشاهد تؤكد ما ذهبت اليه، حيث لا يوجد بيننا فرد واحد لم يدفع ثمن نجاحه في اي مجال من مجالات الحياة، لأن هناك اصابات نفسية تبدأ فردية ثم تتحول الى وباء ويبدو ان ما قيل عن أفضل نصيحة يقدمها الاباء لأبنائهم وهي : احذروا من تذكير الاخرين بما ينقصهم، هو قول بالغ الدقة، وقد يكون هذا اهم ما في سايكولوجيا النجاح لأن تذكير الاخرين بما ينقصهم شكلا ومضمونا هو وصفة نموذجية خصوصا في مجتمعات تربي افرادها على نظرية خرقاء هي ان فقر الاخرين هو الثروة ومرضهم هو العافية وفشلهم هو النجاح !!
(الدستور 2016-06-14)