تغطية الوجه الطائفي بآخرين من خارج الطائفة
من لا يريد الاعتراف بالحقيقة لن يعدم المبررات، وفن التبرير جزء من لعبة السياسة. ومن يصمّ آذانه عن هذا الطوفان من المذهبي الذي يتعالى من الفلوجة إلى دمشق وصنعاء وبيروت، لن يقنعه شيء على الإطلاق. الحجة الكبرى التي يتبناها من يرفضون الاعتراف بطائفية العدوان الإيراني، هي القول بأن هناك سنّة يقفون في هذا المعسكر؛ من سوريا إلى العراق وحتى اليمن (بدرجة أقل)، فضلا عن عمائم سنيّة في لبنان اشتراها حزب الله. من يترك الظاهرة العامة في السياسة ويدخل في الزواريب، هو في الأصل لا يريد الاعتراف بالحقيقة، لكن مع ذلك، يبدو من المفيد التعرض لهذه الحجة في سطور قليلة. هناك سنّة يصطفون مع بشار؟ هذا صحيح، ولو سألت أحد من أولئك بينك وبينه، هل كان النظام طائفيا لأخبرك الحقيقة. وحين تأتي مؤسسة أمنية طائفية بالرئيس بعد أبيه، وتغيّر له الدستور في خمس دقائق، فأنت لا تحتاج إلى دليل أكبر من ذلك على طبيعة تلك المؤسسة. للذين يصطفون مع النظام من خارج منظومته الطائفية مصالح شتى، شخصية وفئوية، مع مخاوف من دفع الثمن، لكنها لا تغير في حقيقة وجهه الطائفي، وإذا كان كل الغزاة على مدار التاريخ قد وجدوا من أهل البلد الذي احتلوه من يتعاون معهم، فهل سيكون ذلك صعبا على من يسيطرون على بلد وهم من أهله، فضلا عن أن يكون عمر نظامهم عقودا طويلة؟! هذا منطق سقيم، فالإنسان هو الإنسان، ليس من الصعب عليه أن يسقط في هاوية المصالح الشخصية والفئوية، ويبيع دينه ومبادئه وأخلاقه، لكن البحث عن الشذوذ وترك القاعدة العامة لا يمكن أن يكون منطقا سليما بحال، وما يجري يُشعر غالبية الأمة أنه عدوان طائفي يستعيد ثارات تاريخية، ويتحدث بمنطق مذهبي فاقع. في سوريا، وكما في اليمن أقلية تعتدي على غالبية، وهذه حقيقة، أما في العراق، فالصراع هو جزء من عدوان من طرف بتحريض من إيران على طرف آخر، وإن كانت نسبة الطرف المعتدي أكبر من المعتدى عليه، لكن شعارات الحرب وروحها هي حرب طائفية، في وقت لم ينظر السنّة إلى أنفسهم يوما على أنهم طائفة، ولم يتعاملوا مع إيران بهذه الروحية قبل أن تسفر عن وجهها، لكن ما جرى خلال السنوات الخمس الماضية لم يكن من النوع الذي يمكن السكوت عنه، وإن يكن الطوفان بدأ مع الاحتلال الأمريكي للعراق، ومن ثم تسليمه للقوى الشيعية التي جاءت على ظهر دبابة الغزاة. ليست لنا مشكلة مع أحد بسبب طائفته، والمشكلة هي في السياسة والعدوان، لكن التطرف في الخطاب لا يلبث أن يستدعي تطرفا مقابلا، في الخطاب وفي السلوك، وهي معركة عبثية لا رابح فيها، فلا طرف سيبيد الآخر، لكن العدوان لا بد أن ينكسر، وفي هذه المنطقة أمة لم تستسلم يوما، وهي لن تستسلم للعدوان الجديد مهما كانت التضحيات.
(الدستور 2016-06-15)