رخصة للقتل

تم نشره الأربعاء 15 حزيران / يونيو 2016 12:44 صباحاً
رخصة للقتل
ماهر ابو طير

يلفت انتباهي دوما اضطرار اغلبنا في معرض الدفاع عن الاسلام والمسلمين، ان نستدعي حوادث كبيرة جرت من جانب احتلالات وحضارات ودول، ارتكبت مجازر كثيرة، لاثبات ان المسلمين ليسوا وحدهم من يخطئ، وللدلالة على ان الانسان ايا كان دينه او عرقه يقتل ويسفك الدماء. ولان تشويه سمعتنا كمسلمين يجري ليل نهار، بوسائل كثيرة، جراء اعتبارات مختلفة، من بينها المجازر الجارية في دول عربية واسلامية، وحوادث التفجير والقتل المتعددة في دول كثيرة، نرتبك نحن، ونضطر امام حدة الهجوم علينا، ان نقول ان العنف سمة بشرية، وان احتلالات قتلت الملايين، من اميركا التي قتلت اليابانيين، وصولا الى الفرنسيين الذين قتلوا مليون جزائري، مرورا بتطرف نراه في كل اتباع الاديان والملل. لكننا في غمرة هذا التبرير ننسى نقاطا فاصلة، على صحة الكلام الذي يقال، إذ ان تورط هذه الحضارات والاحتلالات في كل هذه الجرائم عبر التاريخ، لايعفينا من مسؤولية تقديم انفسنا للعالم، بصورة جيدة، فلماذا نبحث عن تبريرات فتصير المقارنة مع حوادث قتل ارتكبها متشددون من اي دين آخر، او اي احتلال آخر، فنحن هنا، نتورط بشرعنة القتل، باعتبار ان غيرنا يقتل او يتورط في استباحة دم الانسان، وكأننا نمنح انفسنا رخصة للقتل، كون الامر مفهوما في الغريزة البشرية، ولكون التاريخ حافلا بسوابق لامم اخرى، فاقتنا في التورط بالدم، فالاصل ان يتطابق احساسنا تجاه تكويننا الاخلاقي، مع سلوكنا وافعالنا، لا ان نتورط في لعبة المقارنات، بين الاكثر قتلا، والاقل قتلا، من باب الدفاع عن انفسنا وسمعتنا ووجودنا. في زاوية اخرى لهذه القصة، لابد ان نشير دوما الى امر هام، فجرائم القوي، لا يذكرها احد، او انها مغفورة، ولا يجرؤ احد على محاسبة القوي على جرائمه او مواصلة استذكارها، او حتى اخذها مأخذا على مرحلة سابقة، فيما الضعيف هنا، يتم تكبير اي خطأ فردي عنده، ليصير خطة امة بأكملها، أو خطأ دين، والذي يقرأ يلحظ ان الشتم في العالم ينال مليار مسلم، بجريرة مجموعة او فرد، وتشويه السمعة ينال دينا كاملا، برغم كل مافيه من نصوص وحوادث تحض على الخير، والسبب في ذلك اننا امة ضعيفة مفتتة، لابواكي لنا، ولا تأثير لنا في العالم، سياسيا او اعلاميا، فاسرائيل تحرق اطفال غزة، والعالم يقول لك انها تحارب الارهاب عبر قتل الاطفال، والمسلم اذا وجدوا في بيته قطعة سلاح مرخصة في الغرب، يصير ارهابيا محتملا، وتصير كل امته ارهابية، وعلينا ان نتنبه الى هذا الفرق، فالاقوياء لاتتم محاججتهم في هذا العالم، ويجدون كل مخرج وتبرئة، والضعفاء امثالنا، يتم البحث عن خطأ صغير من اجل النيل من المجموع الكلي، وعلى هذا فإن المحاججة بالمنطق هنا، تصير عبثا، فالدنيا تقبل عربدة القوي وحججه، ولا تسمع لذرائع الضعيف حتى لو كانت عادلة. النقطة الثالثة ، تتعلق في المجمل، بتغير معايير العالم، وبرغم النقطتين السابقتين، الا ان معايير العالم حين تكون معتدلة، باتت تعتمد على رؤية مختلفة، فما كان مقبولا او مسكوتا عنه او محتملا من حضارات سابقة، او احتلالات، في حقبات سابقة، لم يعد مقبولا اليوم، على الاقل من جانب القوى التي تفكر باعتدال، ولا تخضع لمنطق القوي والضعيف، فمجازر هذا الاحتلال او ذاك، وتطرف هذا الدين او ذاك، عبر التاريخ، كان يمر بظروف مختلفة، فيما اليوم، تخضع كل حركة لنقد العالم، او اثارته للقصة، او للتعميم، بحسن نية او سوء نية، فلا يمكن هنا ان نواصل المطابقة بين حوادث قديمة وحوادث جديدة. آخر النقاط ما يتعلق برد الفعل العصبي، لدى بعضنا، اذ يقولون ان العالم يتسلط علينا، وقتلوا منا الملايين، ومن الطبيعي ان تحدث ردود فعل، وهذه النقطة مجرد مخرج نجاة لمن يبررون اي حوادث تؤدي الى تشويه سمعة الاسلام، لاننا نستسلم لنفر قليل جدا، يؤثرون على سمعة مليار مسلم، ولا يطيب لنا الاقرار بأي اخطاء من جانبنا، ولا نجرؤ على الاعتراف بكلف الحوادث على كل هذه الامة، ومستقبلها. ماهو مهم اليوم، يتعلق بسمعة المسلمين والاسلام، وعلينا جميعا، ان نصد كل محاولات تلطيخ سمعتنا، فقد بات المسلم، محاربا مطاردا مشكوكا فيه، تقدحه الامم والحضارات بعين الشك في المطارات والسفارات والمغتربات، وحجم الاضرار التي تقع على المسلمين، كارثية، اقلها اننا اصبحنا في وضعية دفاع عن النفس، و نمضي الوقت بالتبرير والشرح، وهذا يفرض قبل ان نقنع العالم اننا امة نبيلة، ان نبدأ جهدا لتصحيح اختلالاتنا الداخلية البنيوية، بحيث نرى السلامة اولا في مجتمعاتنا، ونخلصها مما فيها من آفات، وعلل، وضلالات وشركيات، وسوء تأويل لبعض النصوص، وتشوه في الذهنية والنظرة لانفسنا والعالم، وغياب للعدالة وحقوق الانسان في حياته، ولحظتها لانصير في وضعية بائسة، نخسر فيها الداخل والخارج معا.

(الدستور 2016-06-15)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات