دور الأسرة في مكافحة التطرف

تم نشره الخميس 16 حزيران / يونيو 2016 12:42 صباحاً
دور الأسرة في مكافحة التطرف
د. موسى شتيوي

الحلقة المفقودة في النقاش المرتبط بالتطرف وسبل مكافحته، هي الأسرة. فأغلب التحليلات المرتبطة بمكافحة التطرف تركز على دور المناهج المدرسية أو الإعلام أو الفقر أو البطالة والعوامل السياسية، وغيرها من الأسباب؛ لكن نادراً ما نلاحظ تحليلات تركز على دور الأسرة في هذا الشأن.

الأسرة تعتبر الحلقة الأهم في عملية التنشئة الاجتماعية والسياسية. العلاقات الأسرية ليست علاقات نفعية، وإنما هي علاقات حميمية ترتكز على التفاعل المستمر، وبدرجة عالية من الارتباط بين أفرادها، واعتمادهم على بعضهم بعضا بالإضافة لذلك. فعلاقات السلطة القائمة بين أفراد الأسرة تلعب دوراً مهماً في عملية الإقناع والاقتناع، لذلك ما تزال الأسرة هي المؤسسة الأهم في تنشئة الأجيال، مع أهمية المدرسة والإعلام.

التنظيمات المتطرفة، وتلك التي تستند على أيديولوجيات شمولية، تدرك ذلك جيداً، لذا تلجأ إلى تنظيم الأشخاص المهمين في الأسرة، والذين هم مصدر التأثير، علاوةً على الثقة الموجودة عادة بين أفراد الأسرة الواحدة، فتصبح الأسرة بنظر هذه التتنظيمات خلية تنظيمية. هذا الأسلوب تلجأ إليه التنظيمات السياسية كافة التي ترتكز أيديولوجيتها السياسية على الدين، سواء كانت مسيحية أو إسلامية. والشيء نفسه ينطبق على بعض الأيديولوجيات غير الدينية التي ظهرت في العالم في العقود الماضية.

هذه التنظيمات تستفيد من النزعة الطبيعية لدى الآباء والأمهات في تربية أبنائهم تربية دينية، والتي تشجيع الأبناء وتحثهم على التدين أو الالتزام الديني.

هذا المنطق العابر للأديان مبني على فكرة سليمة مفادها أن التدين يؤدي للاستقامة وحسن الخلق. وبالتالي، فإن التدين يجنب الأبناء الممارسات التي تؤدي إلى إنزلاقهم لسلوكيات منحرفة، وتحصينهم من اللجوء للجريمة والمخدرات وغيرها من المشاكل.

هذا المنطق لا غبار عليه عندما تكون الحالة الطبيعية هي الاعتدال والوسطية، لا بل هناك العديد من البرامج عالمياً ومحلياً تلجأ للوازع الديني من خلال النصح والإرشاد لمعالجة الاختلالات السلوكية التي يتعرض لها الشباب. فالمشكلة لا تكمن في التدين إذن، بل بقدرة التنظيمات المتطرفة على استخدام الدين كأيديولوجيا، وتوظيفه لأهداف سياسية، ومحاولة استهداف البعض ونقلهم من حالة التدين إلى التشدد والتطرف واستغلال الشباب الذين يكون لديهم مشكلات في حياتهم كالفقر والبطالة وضعف التكيف؛ أي إن هذه التنظيمات تستهدف الفئات الهشة في المجتمع وتستغل حالة التدين لديهم.

والأسرة قد لا تكون هي السبب في تطرف أبنائها، لكنها بعدم اهتمامها بهم وقضاء الوقت اللازم معهم ومحاولة سد احتياجاتهم والتعامل مع مشكلاتهم، وخاصة في مرحلة المراهقة والشباب، فإنها تهيئ الظروف لانزلاقهم للتطرف والعنف، سواءً كانت تجلياته سياسية أم اجتماعية.

بالطبع، الأسرة لا تسيطر على المدخلات كافة الفكرية والإيديولوجية التي يتعرض لها الأبناء بالمدرسة، أو من قبل الأصدقاء أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة. ولكنها حلقة مهمة جداً لأنها تتفاعل مع أبنائها بشكل مستمر، وتستطيع أن تلمح أي تغيرات في سلوكهم واكتشاف أي مظاهر للمشكلات التي قد يعاني منها الأبناء.

العقود الماضية جاءت بتغيرات أضعفت سلطة الأهل على الأبناء، لكن ما تزال الأسرة هي اللبنة الأساس في تربيتهم. لذلك، لا بد من استعادة دور الأسرة في تربية أبنائها على القيم المجتمعية المشتركة، والتعاليم الدينية التي تركز على التقوى والأخلاق والمعاملة الحسنة. وهي أيضاً قد تكون الحلقة الأهم في إحباط نزعات الأبناء للتطرف. وهنا يبرز دور الأم في منع الانزلاق للتطرف لأنها الأكثر قرباً ومعرفه بالتحولات الفكرية والسلوكية التي تطرأ على الأبناء والمشاكل التي يتعرضون لها.

أي استراتيجية لمكافحة التطرف يجب أن تكون الأسرة أحد أركانها.

(الغد 2016-06-16)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات