انتخابات 2016 والعقلانية الاجتماعية
هل يمكن توظيف الانتخابات في إعادة تنظيم المجتمعات في اتجاهات عقلانية مستمدة من المصالح والدروس المتشكلة من الإرهاب وضعف النمو الاقتصادي والأزمات الإقليمية؟ الانتخابات، بالطبع، لا تصنع الاتجاهات السياسية والاقتصادية، ولكنها تعكسها وتكرسها. لذلك، فلا أمل بنتائج الانتخابات إلا بمقدار ما يتشكل لدى الناخبين، من الأفراد والمجتمعات، وعي وإدراك للمصالح.
عندما تقدم النخب خطابا مثاليا أقرب إلى المستحيل، أو بعيدا عن متناول العملية السياسية في مجالها الواقعي تشريعيا وسياسيا، في الوقت الذي تنظم السياسات والتشريعات بعيدا عن اهتمام المجتمعات والرأي العام، فإن ذلك يؤشر إلى فشل، أو اتجاهات وسياسات مريبة. ويمكن الاستدلال بهذه الحالة على احتمالات عدة، منها: تغطية التجاوزات على القانون والحقوق والموارد العامة والتهرب الضريبي والفساد المالي والإداري والشراكات المشبوهة بين المصالح والنفوذ؛ أو هي الاسم الحركي للتعصب الديني والجهوي والقرابي؛ إذ تتوسل هذه الاتجاهات والحراكات القبول الاجتماعي والسياسي بالتسمي بأهداف بعيدة المنال!
والحال أن الحراك الاجتماعي والسياسي تحكمه ثنائية لعينة: المشاعر والمخاوف الغرائزية للجماهير، وانتهازية النخب. وفي حالة أخرى أقل سوءا لكنها سيئة: عقلانية النخب وعاطفية الشباب. وفي ذلك تنشأ متوالية من الفشل تحول دون نشوء مؤسسات وتنظيمات وقيادات سياسية واجتماعية تعكس المصالح والأولويات الحقيقية للمجتمعات، وتجعل الدوافع والحوافز المنظمة للفضاء العام تعمل ضد نفسها. فأن يكون الشباب عاجزا عن البناء العقلاني لمنظومة المواقف والأفكار والقيم، يجعل القاعدة الاجتماعية للأفكار والتيارات منفصلة عن الرؤية المفترض أن تدير بها سياساتها وبرامجها. وعندما يستمد الشباب رؤيتهم للكمال الذي يسعون وراءه أو يحلمون به من مصادر ونماذج مناقضة للكمال الذي يتبعه الكبار، يتحول المشهد السياسي والاجتماعي إلى قيادات بلا قواعد اجتماعية، أو قيادات تتبع الشباب بدلا من أن تلهمهم وتقودهم، فتنفصل الحركات والتيارات عن الجدل المفترض أن يدور حول تنظيم الموارد العامة بعدالة وكفاءة، وتنفصل قيادات الجماعات عن قواعدها، وتجري تسويات تمضي بالعمل العام إلى الغيبوبة والتناقض. وحين يدرك الناشطون القواعد الحقيقية الملهمة والمنظمة للعمل والتجمع، يكونون قد بلغوا مرحلة من العمر والانشغال تجعله إدراكا يأتي بعد فوات الأوان؛ في حين يكرر الجيل التالي الدوامة نفسها.
والأسوأ من ذلك كله أن يغلب على المجتمعات عدم الإدراك لمصالحها، وعزوف الشباب عن العمل في الاتجاه المفترض أن يؤدي إلى تشكلها وتنظيمها حول أولوياتها؛ أو العقلانية الاجتماعية، بما هي اتجاه جمعي وشبابي منسجم مع رؤية واتجاهات إصلاحية عقلانية. وهكذا، فإن تنظيم المجتمعات وحشدها باتجاه الإصلاح سوف يكون عملية يائسة إذا لم تكن المجتمعات مستعدة للتأثير والتجمع لأجل مصالحها، وإذا لم تلهمها الحريات والحياة الكريمة، أو كانت تستمد إلهامها من آمال بعيدة عن الواقع أو مستحيلة؛ هي أقرب إلى الوهم أو الفساد.
إن المجتمعات تتبع في علاقاتها وتجاربها القيم والأخلاق التي تدور حولها المؤسسات السياسية والعامة، أو تستهدف تغييرها وتطويرها الحركات والتيارات السياسية والاجتماعية. ولكنها قيم وأخلاق يفترض أن ينشئها موقف عقلاني، فإذا لم تكن الأخلاق والقيم عقلانية، فإن السلوك السياسي والاجتماعي، الفردي والجمعي، يتحول إلى تسويات غير أخلاقية، ويزود التخلف بمبررات ومسوغات دينية أو اجتماعية وثقافية.
الانتخابات تضع الفرصة بين يدي المحافظات والمجتمعات والاتجاهات الإصلاحية لتفكر بعقل بارد بمصالحها وأولوياتها. ويفترض أن تكون الأحداث التي أظهرت قدرا من الكراهية والانقسام والفشل الاقتصادي والسياسي، درسا للناخبين أولا لتبادر بدلا من الانتظار!
(الغد 2016-06-16)