(قبائل) إسرائيل..(الأربع)!
في كلمته الافتتاحية لانطلاق أعمال مؤتمر «هرتسليا للمناعة القومية» بنسخته التي تحمل الرقم «16», دعا الرئيس الإسرائيلي رؤبين ريفلين الى بلورة ما وصفه بـ»هوِّية إسرائيلية جديدة» في دولة إسرائيل (اليهودية الديمقراطية)... واذ انطلق هذا المؤتمر الذي بدأ يستقطب منذ انطلاقته الأولى مطلع الألفية الجديدة, اهتماماً متزايداً ومشاركة واسعة من أطراف إقليمية ودولية، بل ثمة جهات رسمية فلسطينية وعربية شاركت و تشارك فيه وتقوم بطرح وجهات نظرها على قاعدة «الاشتباك» مع الدولة العبرية في عقر دارها(كما تُبرِّر)، ظنّاً من هؤلاء ان بمقدورهم بخطاب «إنشائي» لا تنقصه الحماسة الصوتية ,كما تجب الاشارة, ولا بلاغة اللغة التي تبقى قاصرة عن التأثير في سلوك قادة اسرائيل الفاشي والعنصري او تجعلهم يتراجعون عن مخططهم المُعلن والمُترجم بِزَخَم على أرض الواقع, استغلالاً لحال الضعف والاستخذاء التي تطبع ممارسات النظام العربي الراهن.
نقول: يظن هؤلاء,لِفرط سذاجتهم اواوهامهم, ان مجرد المشاركة في مؤتمر هرتسليا وأي نشاط دعائي إسرائيلي, سيدفع قادتها إلى التراجع أو قبول ما هو معروض عليهم عربياً منذ عقد ونيف, تحت مُسمّى مبادرة السلام العربية،ما يعكس ـ ضمن أمور أخرى ـ مدى الافلاس السياسي والأخلاقي وانخفاض منسوب الإدراك’ بأن إسرائيل ما كانت لتُقدِم على كل ما اقدمت عليه من تهويد ومصادرة للأراضي وزرع الاراضي المحتلة بالمستوطنات, والعمل بدأب ومثابرة على تغيير الطابع الديمغرافي في الضفة الغربية المحتلة (دعّ عنك القدس التي نجحت إسرائيل في تهويدها بدرجة تحول دون عودتها إلى سابق عهدها قبل عدوان 67) حتى لو قبِلت بأكثر «المبادرات» العربية أو الدولية تنازلاً في شأن مستقبلها ومن ذلك المدينة «الموحدة» بإدارة ثنائية منفصلة, لليهود على كل ما هو «يهودي» وللفلسطينيين على كل ما هو «إسلامي».
ما علينا...
رؤبين ريفلين، الرئيس الإسرائيلي الليكودي العتيق والمؤيد بلا تردّد للمشروع الاستيطاني اليهودي في أراضي الضفة، بل هو أول رئيس إسرائيلي يزور «مستوطنات» يهودية في الضفة المحتلة خلال توليه منصبه، دعا في كلمته التي اطلق فيها مؤتمر «هرتسليا للمناعة القومية» إلى صوغ «هوية إسرائيلية مشتركة» جامعة, لما يُطلِق عليه هذا الليكودي المتعصب, «القبائل الأربع» المُكوِنة للمجتمع الإسرائيلي, وهي بحسب تعريفه: «العلمانيون، الصهيونية الدينية، الحريديم والعرب».. ولأن دعوة كهذه ضمن هذا الوصف الذي يستبطن تعمية وتمويها ويظهر وكأنه ينطلق من قاعدة «المساواة» التي لم تكن قائمة ذات يوم في الدولة الصهيونية وخصوصاً ضد فلسطينيي إسرائيل الذين يشكلون 20% من سكانها, فيما هم في واقع الحال يعيشون في حال من التفرقة والتهميش والنقص الفادح في الخدمات وميزانيات التطوير والرفض المطلق للافراج او تعديل الخرائط الهيكلية للمدن والبلدات العربية، بل ورفض الاعتراف بأماكن السكن»الموصوفة بالعشوائية» للفلسطينيين، وبخاصة في النقب والجليل، فإن الرجل يذهب الى تفسير دعوته إلى بناء الهوية «المشتركة» تحت السقف الصهيوني, من خلال ضمان «الهوية الاثنية» لكل مُركَّب، مع ضرورة ان يتحمل الشقان «غير الصهيونيان» في المعادلة الإسرائيلية, وهما هنا «الحريديم والعرب»، تقاسم «العبء القومي للدولة»، وضمان المساواة التامة في إسرائيل «اليهودية والديمقراطية».
هنا يصل التضليل ذروته، ويلحظ المرء في غير عناء, حجم المحاولة الخبيثة التي يبذلها هذا الليكودي الاستيطاني الذي يبرز في الآونة الأخيرة وكأنه «عامود كهرباء ايديولوجي وحيد يضيء في الظلام» على ما جاء في مقال لصحيفة هآرتس يوم 17/6 الجاري, تحت عنوان «ريفلين في المعارضة» بقلم رفيت هيخت.. حيث ينطلق (ريفلين) من دعوة الحريديم والعرب الى تقاسم العبء «القومي للدولة» والمقصود في هذا المصطلح المتداول كثيراً في الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية «التَجَنّد» في صفوف جيش الاحتلال, ولأن فلسطينيي 48 مُستبعدون بقرار صهيوني من الالتحاق بالجيش لِـ»عدم ولائِهم» بالطبع, فضلاً عن رفضهم للمشاركة في جيش وظيفته ذبح أبناء شعبهم والتنكيل بهم، فإن وضعهم في سلة واحدة مع الحريديم، يخفي حقيقة ان الحريديم الذين يلوذون بذريعة تعلُّم التوراة والعلوم الدينية للتهرب من التجنيد، يحظون بمزايا هائلة بدءاً بالميزانيات الضخمة التي تبتزها احزابهم لقاء مشاركتها في الحكومات او دعمها من الخارج في التصويت على مشاريع القوانين في الكنيست, ناهيك عن القوانين التي تسنّها الكنيست... لصالحهم، فيما لا يتمتع فلسطينيو 48 بأي ميزة كهذه، حتى اولئك الذين يخدمون رسمياً في جيش الاحتلال مثل الدروز والشركس, فإنهم لا يحظون بمكانة اليهود من أقرانهم في الجيش, سواء في السكن ام مساعدات الأسر الشابة وغيرها من الامتيازات.
في السطر الأخير... اعتبار «عرب إسرائيل» كما تسميهم إسرائيل ومعظم العرب, بأنهم «قبيلة» من أربع قبائل, تضليل وطمس على الحقائق الميدانية منذ سبعة عقود على قيام دولة العدو, ما بالك ان هذا الرئيس الذي يُوصَف مؤخراً بـ»المعتدل», يضع كل ذلك في اطار إسرائيل «دولة يهودية وديمقراطية»، ما يعني ان «عَرَبَها» مجرد «جالية» وليسوا مواطنين متساوين, على ما روّج لفكرته المسمومة، عندما زعم أنه سيكون, بضمان «المساواة التامّة».
(الرأي 2016-06-20)