حلب مفتاح مشروع التقسيم !!
كل شيء يحدث بسبب ، ولمعرفة ما يحدث يجب الوصول الى ما وراء الحدث الظاهر ، حيث تكمن الحقيقة ، حسب رؤية وقناعة فيلسوف فرنسي عاش في القرن الثاني عشر هو بيار ابيلارد ، صاحب الكتاب الفلسفي المشهور « نعم ، ولا « أي نظرية ( الرأي والرأي الآخر). ونظرية ابيلارد تقول :» بالشك نصل الى التساؤل ، وبالتساؤل ندرك الحقيقة «.
ومن اجل معرفة حقيقة ما يجري من حولنا ، وفي اكثر من قطر عربي ، نلجأ الى نظرية الشك ، التي يسميها البعض نظرية المؤامرة ، كما يجب أن نكتشف ما وراء الحدث الظاهر ، لأن الهجمة الشرسة الواسعة الشاملة التي تتعرض لها الأمة العربية اليوم هجمة غير مسبوقة ، بادواتها واهدافها. صحيح أن الهجمة تحمل عنوان محاربة داعش وضرب الارهاب ، ولكن الحقيقة التي تكمن وراء الحدث تقول غير ذلك ، لأن الثابت من الحقائق يقودنا الى مشروع كبير يهدف الى تقسيم المنطقة بشكل يضمن مصالح الدول الكبرى ويحفظ امن اسرائيل. ولأن المصالح تتغير كذلك التحالفات تتغير حسب المصالح ، وبهذه المناسبة يحضرني قول ونستون تشرشل الذي قال :» في السياسة ليس هناك صديق دائم أو عدو دائم ، بل هناك مصالح دائمة «.
الحقيقة أن ما يجري الآن في العراق وسوريا ، في ظل تقاطع مصالح الدول الاقليمية والغربية ، هو مشروع التقسيم ، وبالتالي قيام الشرق الاوسط الجديد ، الذي بشرت بقيامه الادارة الاميركية قبل عقد من الزمن ، وبالتحديد خلال غزو العراق ، وما بعده العدوان الاسرائيلي على لبنان خلال حرب تموز عام 2006 ، وهو المشروع الغائب عن التداول المعلن اليوم ، الا انه المشروح الحاضر دائما في ساحات القتال ، والمصاحب للتطورات العسكرية والسياسية في العراق وسوريا والاقطار العربية الملتهبة الاخرى. واعتقد ان تصريحات مسرور البرزاني انعش ذاكرتنا عندما تحدث عن ضرورة تقسيم العراق الى ثلاث دول سنية وشيعية وكردية ، ولكل دولة عاصمتها ، بحجة حقن الدماء ، وعدم امكانية العيش تحت سقف واحد.
اما بالنسبة لسوريا ، ارى ان ما يحدث في الشمال السوري ، يهدف الى تطبيق كامل للسيناريو الاميركي الذي تم تنفيذه في شمال العراق ، وبمساعدة ودعم الدول الغربية ، التي قدمت الغطاء العسكري والسياسي لأقامة اقليم كردستان المنفصل فعليا عن السلطة المركزية في بغداد. لذلك ندرك أن ما يجري في الشمال السوري ، وبتدخل عسكري اميركي الماني بريطاني فرنسي متأخر ، مؤامرة غير معنية بهزيمة داعش والتنظيمات الارهابية الاخرى ، بل هدفها الحقيقي تثبيت حدود اقليم كردستان في شمال سوريا ، وفرض واقع جديد. وقد تكون حلب ، التي تتعرض اليوم لهجمة شرسة غير مسبوقة ، هي مفتاح مشروع تقسيم سوريا تحت عنوان الفدرالية ، بمباركة الولايات المتحدة وبعض الدول الاوروبية. وامام هذا المشهد المتحرك بتطوراته المتسارعة يجب ان نسال عن الموقف الروسي. انا لا اعتقد أن القيادة الروسية ساذجة الى حد الثقة بالولايات المتحدة ودورها في الشرق الاوسط ، أو تصديق المزاعم الاميركية المضللة حول دعم المفاوضات السياسية بين النظام والتنظيمات المعارضة المسلحة ، او فرض الهدنة بزعم منح الجهود الدبلوماسية فرصة للتوصل الى حل سياسي للحرب في سوريا. وبمناسبة زيارة وزير الدفاع شويغو لقاعدة حميميم الجوية بلباسه العسكري قبل يومين ، أقول ان الكثيرين استهجنوا سحب الطائرات الروسية ، أو بعضها ، والقبول بالهدنة ، وبالتالي تحويل قاعدة حميميم الى مركز مراقبة مهمته اصدار احصائيات يومية بعدد خروقات الهدنة في الغوطة وريف حلب !! لأن الهدنة منحت التنظيمات الارهابية فرصة اعادة ترتيب اوضاعها ، وتجميع مسلحيها ، والتزود بالسلاح والرجال والمال عبر الحدود التركية.
ويعرف الوزير شويغو ، خلال تفقده القاعدة الجوية أن الفراغ الذي تركته الطائرات الروسية في الاجواء السورية ملأته الطائرات الاميركية دعما للتنظيمات الكردية المسلحة ، لأن هدف واشنطن هو اسقاط النظام السوري وتفكيك الدولة وتقسيم البلاد ، أو تركها في حالة من الفوضى لأن مهمة الولايات المتحدة خلق الازمات وليس ايجاد حلول لها ، كما حدث في بلاد عربية اخرى. ومن اجل افشال هذا المشروع يجب أن ننتظر الخطوة الروسية الجديدة ، أو الخطة الروسية البديلة ، ما بعد زيارة شويغو.
( الرأي 2016-06-20)