حين يخشى الأطباء مرضاهم!!
تعالوا نتخيل مريضا حين يذهب الى طبيبه يخبىء مسدسا تحت سترته ثم يبدأ بتحسسه عندما ينتهي الطبيب من معاينته، وكأنه يقول له: اذا اخبرتني بأنني اعاني من مرض عضال وعصيّ على الشفاء فسوف اقتلك ! هنا يجد الطبيب نفسه ازاء خيارين لا ثالث لهما، إما أن يفي بقسم ابوقراط المعلق على جدار عيادته ويجازف بحياته غير عابىء بما سيلاقيه اذا صدق، أو ينكث بالقسم ويكذب على المريض بحيث يقول له إن ما يعانيه في القلب او الكبد او الكلية هو مجرد وعكة خفيفة تزول بقرصين من الاسبرين رغم ان المريض في الحقيقة قد بدأ يقترب من طور الاحتضار لأن مرضه خبيث وقاتل . وان كان هناك خيار ثالث، فهو ان يغلق الطبيب باب عيادته وينصرف الى مهنة اخرى خصوصا اذا تحول ذلك المريض الى ظاهرة. البشر بطبيعتهم لا يحبون الحقيقة اذا كانت لغير صالحهم لهذا يسمونها مُرّة او سوداء او صادمة لأنها تفرض عليه الاعتراف بالواقع كما هو وليس كما يرغبون ! ومهنة الكتابة اذا كانت محررة من الارتهان وذات قسم سقراطي مقابل قسم ابوقراط فهي تواجه احيانا ما يواجهه ذلك الطبيب، فالتواطؤ والنفاق ببعديه السياسي والاجتماعي هما البهارات والتوابل التي توضع على اللحم الفاسد لاخفاء حقيقته، وهذا ما يقوله كانت فرنسي عن الذين يستخدمون ما يتصورون انه بلاغة لاخفاء النكهة الكريهة لما يظنون انه يرضي الناس جميعا . ربما لهذا السبب تشحّ في العالم العربي الكتابات النقدية لصالح الممالأة والاسترضاء وتدليك النرجسيات الذابلة، فالنقد يسبب الصداع والغثيان ولا حاجة بنا اليه، لهذا فهو مكروه كالطلاق، حتى لو كان الزواج حفلة تعذيب يومية بين زوجين علاقتهما ببعضهما هي علاقة الشحم بالنار . والسؤال الان هو هل ادى كل هذا الشقاء والبؤس وما فاض من دماء ودموع الى الاقلاع عن هذه العادات الرديئة ؟ ان عطر العالم كله لا يكفي لاخفاء رائحة جيفة خصوصا اذا كانت تتحلل تحت الشمس!!
(الدستور 2016-06-22)