العراق ما بعد الفلوجة
احتفل شبيحة نوري المالكي بما يسمونه “تحرير” الفلوجة أكثر من حيدر العبادي نفسه، وانتشروا كالجراد في مواقع التواصل يوزعون كلماتهم الطائفية على عباد الله، ولم يتورعوا عن وصف كل من وقف ضد استباحة المدينة بأنه “داعشي”، حتى لو كان يتعرض لهجمات أنصار التنظيم. والمثير للسخرية في القصة أن أحدا من أولئك لم يقدم كلمة شكر للسيد الأمريكي الذي لولا طيرانه لما تمكنوا من اقتحام المدينة، طبعا لأن ذلك يحرج “ولي الأمر” القابع في طهران، والذي يواصل الخطابة ضد أمريكا كأن تلميذه سليماني لا يتحرك في الفلوجة وطيران “الشيطان الأكبر” يحلق فوق رأسه!! والأكثر إثارة للسخرية أنهم يعيروننا بأننا تفاجأنا باجتياح المدينة، مع أننا توقعنا ذلك، وهو ما سينطبق لاحقا (لا نعرف متى) على الموصل أيضا، فميزان القوى يفعل فعله في نهاية المطاف، مهما كانت عقائدية المدافعين عن هذه المدينة أو تلك، وقد كنا نقول لهم إن حركة طالبان لم تكن تنقصها البسالة ولا الإيمان حين هُزمت في 2001 بوجود طيران يقصف من الجو، وقوة زاحفة كبيرة تتحرك على الأرض، في ظل ميزان قوى مختل تماما لصالح المهاجمين، وفي النهاية لن تمنح البسالة لأحد أكثر من نسبة واحد لعشرة كما في الآية: “إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين”. حدث ذلك في كوباني وفي تكريت وديالى والرمادي وغيرها، وسيتكرر في أي حالة مشابهة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إن اجتياح الفلوجة، وبعدها الموصل سينهي الأزمة في العراق؟ الجواب هو (لا) كبيرة، فقد كان كله بيد المالكي (باستثناء إقليم الأكراد)، وكانت تنظيم الدولة تنظيما سريا مطاردا في 2010، لكن البلد لم يستقر، والسبب هو نظام طائفي بشع لم يمنح أحد مكونات العراق الثلاث (العرب السنّة) أبسط حقوقهم، وحتى حين قبلوا بالعملية السياسية وفازت قائمتهم بالمرتبة الأولى لم يحصلوا إلا على مزيد من الإقصاء والطائفية. هل يمكن للعبادي أن يتعلم من درس المالكي؟ ربما نعم، والأرجح لا. ونقول لا، لأن ميليشيات سليماني هي التي تحكم البلد، وليس العبادي، ومن كانوا يهتفون طوال الشهور الأخيرة في الشوارع ثم وجهوا بالقمع والقتل أحيانا، كانوا شيعة أيضا، وهتفوا ضد إيران وضد سليماني، وبالضرورة ضد طبقة سياسية فاسدة، تتاجر بالمشاعر الطائفية لحشد الناس من ورائها. والخلاصة أن المعركة الأهم في العراق هي المعركة مع نفوذ إيراني يحمي طبقة سياسية أهلكت الحرث والنسل، ومن دون أن يتحرر العراق منها، ويغدو لكل أهله، وليس لفئة داخل الطائفة الشيعية التي ملأ أبناؤها الشوارع تنديدا بالفاسدين أدوات إيران. من دون ذلك، فالاستقرار وهمْ، وهنا يتعين على الذين شاركوا في التحالف الدولي من العرب ومعهم تركيا أن يكون لهم دور في فرض ترتيبات الوضع اللاحق، وألا يكرروا أخطاء ما بعد الغزو حين تركوا الساحة لإيران تعبث بها كما تشاء، لا سيما أن التعويل على أمريكا هنا لا يبدو مجديا، فهي تجامل إيران أكثر من العرب، بخاصة في العراق. العراق عربي، ولا ينبغي أن يكون إلا عربيا، والساخطون على النفوذ الإيراني من الشيعة هم الأكثر حضورا في الشارع، ولا ينبغي تركهم نهبا لعبث سليماني وأدواته. هل يفهم ذلك من يواجهون إيران، أم سيكررون ذات الخطأ السابق؟ لا ندري، لكن تكرار الخطأ يعني أن المأساة ستتواصل بأشكال شتى، من بينها تحوّل تنظيم الدولة إلى تنظيم سري يواصل حرب العصابات، مع بقاء حاضنة شعبية تؤيده بسبب غياب الخيارات الأخرى.
(الدستور 2016-06-22)