علم الاقتصاد للناخبين
تتشكل ثقافات الشعوب وحضاراتها وقيمها حول مواردها، أو كما يقول جوزيف شومبيتر؛ إن روح الشعب وثقافته وبنيته الاجتماعية والأعمال التي قد تعدّ سياسته، كل ذلك وأكثر مكتوب في تاريخه المالي.
ومن ثم، فإن الانتخابات والعملية السياسية بعامة، إذا لم تعكس الجدل السياسي والاجتماعي حول الضرائب والموارد والأعمال، فإنها تنفصل عن الحياة والسياسة، وتعود لا قيمة حقيقية لها، وليست أكثر من هواية أو تسلية! أو ضريبة إضافية على المواطنين، أو شيئا من قبيل أعمال السخرة أو الاحتفالات والمهرجانات.
والمواطنون المشغولون بالانتخابات الرئاسية الأميركية مثل الأميركيين وربما أكثر من الانتخابات الأردنية المفترض أن تجرى في 20 أيلول (سبتمبر) المقبل، يفترض أن يلاحظوا محتوى الجدل والخلاف الأميركي حول الضرائب والتأمين الصحي والتعليم والرعاية الاجتماعية... فربما تكون كلمة الضرائب هي الأكثر تكرارا وجدلا في الحياة السياسية والانتخابية الأميركية.
السياسة، ببساطة، تدور حول الإنفاق الحكومي. ويفترض أن الانتخابات هي آلية المراجعة والتنظيم لعمليات الإنفاق الحكومي. ولا يمكن أن تأخذ الانتخابات موقعا إيجابيا فعليا في ترشيد الحكم وتنشيط الأسواق والازدهار وتلافي الفشل والعجز، إلا بوعي اجتماعي عقلاني يحيط بوضوح بالموارد العامة والضرائب، وجمعها وإنفاقها وتنظيمها. فالإنفاق الحكومي يبدأ بالعدالة والكفاءة في جمع وإدارة وتنظيم الضرائب على النحو الذي يحسّن حياة المواطنين. وإذا لم يلاحظ المواطنون علاقة بين مستوى معيشتهم وبين الإدارة الحكومية للضرائب والإنفاق، فهذا هو الفشل الحكومي، وهو أيضا مناط العمل السياسي الشعبي والانتخابات.
أعلنت الحكومة أنها بصدد مجموعة من الإضافات الضريبية الجديدة، برغم أنها حكومة لم تنل بعد ثقة النواب. ويفترض أن يتذكر المواطنون أن حكومة د. فايز الطراونة اتخذت مجموعة مماثلة من القرارات التي تطال دخول المواطنين، ولكنها تتخذ من دون مشاركة المواطنين أو موافقتهم، برغم أنها أموال تؤخذ من موارد الأسر وقوت الأطفال. وهي ربما تكون قرارات صحيحة، أو أنها أموال جمعت لتوضع في خدمة سياسات وأعمال ضرورية، لكن الفكرة الأساسية التي يجب أن يعيها الناخبون هي أن السياسات المالية والضريبية هي جوهر الانتخابات، ولا معنى لها إذا لم تؤثر في الاتجاهات الضريبية وفي الإنفاق، بما يعكس مصالح ومواقف الناخبين.
سوف يسخر القراء (إذا كان أحد يقرأ هذا المقال) ويعلقون بالقول إن مجلس النواب المقبل سوف يوافق على القرارات الحكومية، فالحكومة تتصرف وكأن موافقة النواب تحصيل حاصل. وهو أمر صحيح. ولكن تظل المقولة الأساسية لهذا المقال -حتى لو بدت في علاقتها بالوطن والمواطنين مثل علاقة السلام الوطني الاكوادوري- صحيحة أيضا، وهي أن الانتخابات يجب أن تأخذ محتوى اقتصاديا، أو أنها لن تكون مختلفة عن الدعوة إلى استقلال جزر فوكلاند أو انضمامها إلى الأرجنتين.
(الغد 2016-06-22)