انطباعات شعبية عن الانتخابات
الوقوف على آراء الناس والحديث المباشر معهم، في منتهى الأهمية لكل من يهمه النظر في الحلول التي من شأنها معالجة التحديات التي يمر فيها الوطن. وقد حرصت شخصيا على القيام بجولات عدة في مختلف المحافظات، للحديث المباشر مع الناس، خاصة أن هذه الفرصة لم تكن متاحة لي بشكل كبير عندما كنت أعمل في الحقل الدبلوماسي المعني بالشأن الخارجي.
ومن أخطر الملاحظات التي أرجو أن لا تكون غائبة عن بال المسؤولين، حجم فجوة الثقة بين الناس والدولة. أكتب هذا الكلام بمناسبة قرب الانتخابات النيابية، والانطباعات التي خرجت بها مؤخرا.
إذ هناك غموض واضح فيما يتعلق بتفاصيل قانون الانتخاب، فالعديد يشعر أن القانون معقد، خاصة أنه يحمل الكثير من المفاهيم الجديدة؛ كالترشح ضمن القوائم، والقائمة المفتوحة، وطريقة احتساب البواقي، وغير ذلك. كما أن هناك شعورا لدى فئات واسعة بأن القانون لم يتخط "الصوت الواحد" بشكل كبير، باعتبار أن العديد من الشخصيات الطامحة لدخول مجلس النواب قد تشكل قوائم "وهمية" من أشخاص مهمتهم الوحيدة إنجاح شخص واحد داخل القائمة. هناك حاجة لجهد مكثف جدا من الهيئة المستقلة للانتخاب لشرح التفاصيل والوصول إلى الناس في مختلف ربوع الوطن، يتعدى ما يجري حاليا من نشاط لشرح القانون.
أصبح من الواضح أيضا للناس أن القانون لن يؤدي لقوائم تحصل على أكثر من 10 % من الأصوات على المستوى الوطني على أبعد تقدير؛ وأنه تبعا لذلك فإن الأمل أن تؤدي الانتخابات لظهور قوى يمكن لها أن تحصل ولو على عدد معقول من المقاعد -بغياب إمكانية الحصول على أغلبية- يمكنها من تشكيل الحكومة، شبه مستحيل. وبالتالي، فإن هدف الوصول إلى حكومات برلمانية قوية تنجح في الانتخابات بناء على رغبة شعبية وبرامج واضحة، ما يزال هدفاً بعيدا جدا، وقد لا يتحقق قبل عقود من الزمن.
هناك فتور شعبي واضح تجاه الانتخابات، نتيجة الممارسات التاريخية من قبل السلطة التنفيذية، ونتيجة مباشرة أيضا لأداء مجلس النواب، خاصة في ظل قانون "الصوت الواحد". ولا يبدو أن القانون الجديد نجح في تجسير ولو اليسير من فجوة الثقة بين الناس ومؤسسات الدولة. هذه الفجوة أكثر ما يقلق بالنسبة للمستقبل، وهناك ضرورة للاعتراف بها من قبل الحكومة، لأن ذلك يمثل الخطوة الأولى نحو محاولة تجسيرها. كما يجب إدراك أن الحل ليس بالحملات الإعلامية لتلميع الحكومات، لأنها غير مقنعة للناس ما لم تكن وراءها سياسات جديدة لإدارة الدولة، تنجح ولو في البدء بمعالجة التحديات الاقتصادية والسياسية للبلد، يرافقها تواصل مستدام مع الناس لسماع صوتهم وإدخاله ضمن عملية صنع القرار.
قانون الانتخاب الجديد ليس نهاية المطاف. وستُظهر الانتخابات مواضع القصور فيه، وتجلي بعض الغموض الحالي حوله. وستؤدي نتيجة الانتخابات، على الأغلب، إلى الشعور بالحاجة لتطوير القانون على الفور، تمهيدا للانتخابات المقبلة بعد أربع سنوات. ولن يتحقق هدف الوصول إلى حكومات نيابية قوية إلا من خلال تطوير حياة حزبية فاعلة، تساعدها على ذلك قوانين للانتخابات والأحزاب ساندة لهذا التطوير. وبالتالي لا مناص من الوصول إلى قانون انتخاب تكون عماده القوائم الوطنية الحزبية، والحزبية فقط. كما أن هناك مهمة صعبة على الدولة كي تقنع فيها الناس بأن الانتخابات ستكون حرة نزيهة شفافة؛ لن تتدخل فيها الحكومة ولا سواها بشكل مباشر أو غير مباشر. وهي مهمة لن تتحقق إلا عن طريق ممارسات مختلفة جذريا، بحيث تقف فيها الدولة على الحياد التام.
إعادة الثقة بمجلس النواب ضرورة ملحة، لأن شعور المواطن بتمثيل حقيقي له يساهم في تجسير الفجوة مع الدولة، والعكس صحيح.
(الغد 2016-06-22)