إعادة صياغة
يخضع العالم، لاعادة صياغة، فثلاثية الدين والاقتصاد والهوية الوطنية، تعيد خلخلة العالم من جديد، واعادة صياغته، على نحو او آخر، في اغلب قارات هذا الكوكب. الاقتصاد احد العوامل الاساس لتحريك رغبات الانفصال، كما في بريطانيا التي لم تعد تطق تدفق الاوروبيين اليها، لاعتبارات كثيرة، ابرزها التأثيرات الاقتصادية الحادة على حياة البريطانيين، وهي ذات الدعوة التي تسمعها ولا تجد صدى حتى الان، من كثيرين في تكساس الاميركية، التي يريد بعض من فيها، الانفصال عن الولايات المتحدة، جراء شدة الثراء من جهة، والرغبة بعدم التأثر السلبي بعموم الاقتصاد الاميركي، وهو امر امتد ايضا الى دول اوروبية اخرى، والى مكونات داخل هذه الدول، وهذه مجرد نماذج على تأثيرات الاقتصاد، وكلما اشتدت تأثيرات الوضع الاقتصادي السلبي، كلما تدافع الناس، بحثا عن السبب، سواء كانوا لاجئين، أم شكلا من اشكال الوحدة، فالانسان، عندما تتملكه المخاوف، يتخلى عن كل العناوين الراقية في حياته. بعد الدين حاضر ايضا، في حالات اخرى، فالدين يحمل معاني سامية، لكن ممارسات اصحاب الدين احيانا، حين تكون خاطئة تعصف بكل سمعة الدين، وهذا مانراه من دعوات سلبية ضد المسلمين في العالم، وفرز العالم على اساس ديني، ولنا في دعوات المرشح الاميركي ترامب بمنع دخول المسلمين، دليل على تحويل الدين الى مهدد للحياة الاميركية، مثلما الاقتصاد مهدد في الحالة البريطانية، وهذا يعني ان هناك اعادة صياغة لوجه العالم، على اساس ديني، وسط استثمار اطراف كثيرة، للدين، سلبا او ايجابا، وتحويله الى وسيلة لاعادة صياغة الدول، او الخارطة، او التحالفات او الاستقطابات في دول العالم. في مرات يندمج الدين مع الاقتصاد في مهدد واحد، كما في مخاوف اوروبا الدينية- الاقتصادية من اللاجئين السوريين المسلمين، وعدم استعداد بعض دولهم للتصرف على اساس انساني بمعزل عن هذين العاملين، والامر ذاته ينطبق على تفرعات الدين الواحد، مثلما نرى من حروب مذهبية في منطقتنا، بين السنة والشيعة، التطرف والاعتدال، فالعنوان الديني هو الحاضر، وسيؤدي الى تشظية الدول، وانقسام الشعوب، جراء الصراع، واعادة رسم خارطة منطقة الشرق الاوسط. اعادة الصياغة تتأثر بالعامل الثالث، اي الهوية الوطنية، وهذا عنصر نراه في مطالبات الانفصاليين على اساس عرقي او اساس قومي، مثل نموذج الاكراد، او نموذج اليمين البريطاني الذي لا يريد الذوبان وسط هوية اوروبية، او في حالات اخرى التحسس من دخول جنسيات اخرى، على شكل عمالة او لاجئين الى دول كثيرة، بما قد يخل بالهوية الوطنية، وفي حالات معينة ينفجر الصراع حول الهوية الوطنية، بعناوين فرعية مختلفة، الا ان النظام او الدولة، لا يمكنها تجنب حساسيات الهوية الوطنية والضغط عليها، خصوصا، اذا تداخل مع ذلك عنصرا الاقتصاد والدين. هذه الثلاثية ضاغطة بعنف هذه الفترة على عصب العالم، وليس ادل من ذلك، ما نراه خلال العقد الاخير، من اصرار كثيرين على اعادة صياغة دولهم، او علاقات دولهم بدول اخرى، او علاقات ذات مكونات كل بلد ببعضها البعض، فالواضح، ان العالم بات هشا جدا، ولم يعد يمكنه مقاومة هذه الثلاثية، بشكل فردي لعناصرها، او في حال اجتمعت معا، ولربما امامنا عقود من اعادة الصياغة لوجه العالم، دون ان ننكر هنا، ان بعض عناصر الثلاثية، كان حاضرا عبر التاريخ، فالدين والثروة والهوية، تحرك الثورات والحروب وتؤسس الدول وتهدمها.
(الدستور 2016-06-26)