حين تختزل حلب الأزمة السورية برمتها

تم نشره الأربعاء 29 حزيران / يونيو 2016 12:57 صباحاً
حين تختزل حلب الأزمة السورية برمتها
عريب الرنتاوي

تكاد المعركة في حلب وحولها، تختزل الحرب الدائرة في سوريا وعليها منذ أزيد من خمسة أعوام ... البعض ذهب أبعد من ذلك، ناظراً إلى “أم المعارك” في حلب، بوصفها معركة الإقليم برمته، كما ورد في آخر خطاب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ... هي إذن، معركة من طبيعة “استراتيجية”، سيتقرر في ضوء نتائجها، ميزان القوى على الأرض وفوق موائد التفاوض في فيينا وجنيف وغيرها. ولأنها كذلك، فإن كلاً من الفريقين المتحاربين، يعد لهذه المعركة ما استطاع من “قوة ومن رباط الخيل” ... مصادر النظام في دمشق، تتحدث عن قرار استراتيجي قد اتخذ بالفعل من قبل القيادة السورية بعزل المسلحين في الأحياء الشرقية للمدينة، حيث هم الآن، وبسط سلطة الجيش على الأرياف المحيطة، وصولاً للحدود مع تركيا ... نصر الله قال شيئاً مماثلاً، إذ دعا حلفاءه لحشد كل قواهم في حلب، متعهداً بزيادة عدد وعديد عناصر حزبه على طول جبهات القتال هناك وعرضها. روسيا ليست بعيدة عن هذا “المزاج”، وإن كانت تصدر عنها مؤشرات متناقضة بين الحين والآخر، فهي ترسل إلى طهران بوزير دفاعها للقاء نظيريه السوري والإيراني، ثم تستتبع اللقاء، بزيارة غير مسبوقة للوزير الروسي إلى سوريا، وقاعدة حميميم على وجه الخصوص، وسط تصعيد في النبرة الاتهامية – التهديدية للخطاب الروسي ... لكنها في المقابل، ما زالت الأنشط في اقتراح “الهدن” وعرض “المهل الزمنية”. في المقابل، ثمة من المعلومات ما يكفي للقول، أن المعسكر الآخر لا يدخر شيئاً من وسعه، إن لم يكن لتحقيق الانتصار على تلك المحاور الساخنة، فأقله لمنع النظام وحلفائه من تحقيق انتصار ذي طبيعة استراتيجية، او تسجيل خرق جدي ملموس على جبهات القتال .... وإن صحت المعلومات التي نُسبت إلى الوفد الروسي في محادثات جنيف لمجموعة الاتصال الخاصة بمراقبة وقف الأعمال العدائية في سوريا، والتي كشف فيها عن تسلم جبهة النصرة أكثر من مائة صاروخ مضاد للطائرات والدبابات عن طريق تركيا، فإننا سنكون على موعد مع “مواجهة استراتيجية”، يسعى كل فريق لكسبها بأي ثمن، وفي أسوأ السيناريوهات، منع الطرف الآخر من تحقيق نصر واضح. ظاهرياً، تبدو واشنطن بعيدة نسبياً عن غبار المعارك في حلب وجوارها، فهي منشغلة بكثافة في معارك استراتيجية أخرى تدور على جبهات أخرى: منبج في سوريا والفلوجة في العراق ... لكن عيون العاصمة الأمريكية شاخصة صوب حلب، ترقب كل شاردة وواردة، والأرجح أن الإدارة الأمريكية ليست في عجلة من أمرها لحسم المعركة بترجيح كفة فريق على حساب فريق آخر، فالاستنزاف الدامي الجاري هناك، من دون توقف، يصيب خصومها جميعاً في مقتل، وينهك الأطراف المتحاربة من دون هوادة .... وفي حلب، يبدو “القاتل والقتيل في النار” من زاوية النظر الأمريكية، أو “فخار يكسر بعضه” كما يقول المثل الشعبي الدارج. لكن هناك من يقول، إن الأمر في حلب مختلف تماماً بالنسبة لموسكو، فهي هنا، بخلاف واشنطن، “تضع يديها بالنار”،فهزيمة حلفائها في حلب، تعني هزيمة لها في حميميم ... خياراتها صعبة للغاية، إن هي انتصرت لحلفائها، قامرت بتبديد “التفاهمات الأمريكية الروسية” التي تشتد حاجتها للإبقاء عليها وتطويرها وتعميقها ... وإن هي ظلت على “ترددها” الظاهر، غامرت بخسارة حلفائها، وربما انقلابهم عليها، ولقد رأينا مؤخراً موجة انتقادات واسعة من قبل هؤلاء الحلفاء، لميل موسكو الجارف لـ “التهدئة” و”وقف الأعمال العدائية”... في حلب، أكثر من غيرها، ستُختبر قوة ومتانة التفاهمات الروسية –الأمريكية، وسيكون الحفاظ على “الستاتيكو” هو المعيار الأبرز للحكم على “صلابة” هذه التفاهمات ... ولأن بقاء الحال على خطوط التماس من المحال، فإن هذه “التفاهمات” ربما تكون الضحية الأولى لـ “ام المعارك” في الشمال السوري. ثمة وقت مستقطع في الأزمة السورية، من غير المستبعد أن يمتد حتى الربيع، وربما الصيف القادم، والأطراف جميعها، ستعمل على “ملء فراغ الدبلوماسية”، التي لم يعد لها من وظيفة سوى تسهيل إجراءات الإغاثة الإنسانية، ودائماً بصعوبة بالغة ... يبدو أن الطريق إلى سلام سوريا، لم يُعبد بعد بما يكفي من أنقاض وأشلاء، وأن الأصعب ما زال في انتظار السوريين وجوارهم.

(الدستور 2016-06-29)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات