عندما تنفصل المجتمعات عن الثقافة والفنون

تم نشره الخميس 30 حزيران / يونيو 2016 01:02 صباحاً
عندما تنفصل المجتمعات عن الثقافة والفنون
إبراهيم غرايبة

"يستدل على الفكرة بالفنون المعبرة عنها، كما يستدل على الحياة بالأحياء".

تلحّ علينا أخبار التطرف والإرهاب على نحو يشتتنا، ولا نعود قادرين على النظر والانشغال بغير أخبار وصور الضحايا والقتل والكراهية. لكن لا مجال إلا لتفكير طويل وشامل في منظومات الخلل ومتوالياتها، بغض النظر عن الأحداث والمعالجة المباشرة لها. فالمنظومات المختصة بمواجهة المتطرفين والرد على الأحداث، تعمل بكفاءة لم يعد ممكنا الزيادة عليها، لكن المجتمعات في تشكلها وعلاقاتها وأزماتها تعمل في منظومات ومتواليات أكثر تعقيدا. ومما يدعو للسخرية ما تحسبه مؤسسات دينية واجتماعية وفكرية وثقافية بأن مواجهة الكراهية والتطرف هي إجراءات وعمليات مباشرة، تشبه ما تقوم به أجهزة ومؤسسات الضبط، بل إنها تزيد الأزمة والكراهية، ولو أنها غير موجودة ابتداء لكان التطرف أقل حضورا والكراهية أقل انتشارا. فالتطرف مشروع جدي متماسك، من أسباب تماسكه هشاشة أداء المؤسسات التعليمية والإرشادية والثقافية والشبابية، ونضحك على أنفسنا إذا كنا نعتقد أن لهذه المؤسسات أثرا إيجابيا يذكر!

الفكرة الرئيسة لهذا المقال أن الثقافة والفنون تلهم بالجمال الأفرادَ والمجتمعات، للاتجاه نحو السلام والازدهار وتجنب الكراهية والخواء والتطرف؛ ففي غياب "الجمال" يكون الخواء ليس مجرد أزمة نفسية، ولكن ذلك يفسر أيضا الكراهية والانحياز ضد التقدم بما هو انحياز ضد الذات بلاوعي.

فالأفكار جميعها تقدم نفسها في أوعية فنية، مثل الكتابة الإبداعية؛ كالشعر والرواية والقصة والمقالة وفي الخطابة والدراما والموسيقى والمسرح والسينما. ومن المؤكد، بالطبع، أن الفكرة يلحقها قصور وتشوه بقدر ما تعجز أو تفشل الفنون المستخدمة في التعبير عنها. ويمكن، ببساطة وبمستوى عال من الصحة والدقة، قياس وتقييم الأداء المؤسسي في التعليم والثقافة والإرشاد والعمل الاجتماعي، بملاحظة اتجاهات الفنون والثقافة السائدة والمتبعة.

لدينا على نحو سائد ومتقبل في التعبير الفني عن الدين، الخطابة والمواعظ والترتيل والأذان (النداء للصلاة) والفنون والتطبيقات الإعلامية، كما النشيد والموسيقى، والنشر والتدوين والبث الإذاعي والتلفزيوني، وبناء المساجد وعمارتها، واللباس الديني أو المستمد من تعاليم وأفكار دينية. ويمكن أن يشار هنا (مع الجدل ربما أو الاختلاف) إلى غياب أو ضحالة أو نقص الأعمال الفنية الأساسية، والأكثر امتدادا وتأثيرا في حياة الناس وأفكارهم، مثل الفنون التشكيلية والتصميم والمسرح والموسيقى والشعر والرواية والقصة والسينما والدراما وتخطيط المدن والعمارة والمجالس الثقافية والفنية.

والسؤال التلقائي هنا هو: إلى أي مدى تساعد الحالة الدينية، بالنظر إليها من خلال فنون وأدوات تطبيقها، على التقدم والارتقاء، أو تحمي الأفراد والمجتمعات؟ يمكن الرمز إلى الإبداع بالشعر، لأنه يستوعب جميع الفنون الإبداعية، كما يؤسس لفنون أخرى وينشئ حلقة متوالية وصاعدة من الإبداع، وكذلك يطلق كل أشكال وصيغ الإبداع، ولعله الراعي الحصري للإبداع، ومنه تستمد حركة الفنون والإبداع مسارها.. والموسيقى بالطبع. وأهم مصادر الشعر الفلسفة والتأمل والتصوف والجمال، كما تلهم الشعر قيم الحرية والتسامح والحب. وإن كان الحب يبدو عاطفة قوية، فإنه مستمد في الحقيقة من الالتزام والمسؤولية والمعرفة.

وتمثل الموسيقى خلاصة ومحصلة الإبداع، بما هو السلام مع النفس والكون والحياة. وهي لا تأتي، بطبيعة الحال، من الفراغ، ولكن تنشئها وتصممها حالة وبيئة الإبداع القائمة جماعيا وفرديا. وتعبر الموسيقى عن نفسها تطبيقيا في شكل رئيس هو العمارة؛ فنحن نصمم بيوتنا ومدننا ومرافقنا والأثاث وفق تطلعنا إلى السلام والانسجام.

(الغد 2016-06-30)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات