الاستدارة التركية

تم نشره الخميس 30 حزيران / يونيو 2016 01:04 صباحاً
الاستدارة التركية
د. موسى شتيوي

لم يأتِ اعتذار الرئيس رجب طيب أردوغان لروسيا عن إسقاط تركيا الطائرة الروسية مفاجئاً للمراقبين، إذ سبقت رسالة الاعتذار التي بعثها أردوغان لنظيره فلاديمير بوتين إرهاصات عديدة باتجاه نية تركيا الاستجابة للطلب الروسي بالاعتذار قبل إعادة العلاقات بين البلدين لسابق عهدها.

الإجراءات العسكرية التي اتخذتها روسيا بعد إسقاط طائرتها، أدت إلى تكبيل يدي تركيا في سورية، وحدت من قدرتها على التدخل والتأثير بالأزمة السورية لدرجة كبيرة، سواء كان ذلك من جهة تقديم الدعم العسكري للتنظيمات الموالية لتركيا، أو من جهة توجيه ضربات عسكرية لداعش في سورية، أو للقوى الكردية التي تلقت دعماً روسياً وأميركياً في الوقت نفسه. باختصار؛ خلال سبعة أشهر، خسرت تركيا قدرتها بالتأثير على الأزمة السورية وأصبح دورها هامشياً، وبدأت تعاني من تداعيات ذلك، وبخاصة الضربات الموجعة التي وجهها "داعش" للداخل التركي. ولا يوازي تراجع دور تركيا بالتأثير على الأزمة السورية سوى الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تكبدتها تركيا نتيجة للحصار والمقاطعة الاقتصادية الروسية لتركيا والتي تقدر بعشرات المليارات. ولا نستطيع كذلك إهمال التوتر الكبير بالعلاقة التركية الأميركية، وبخاصة حيال دعم الأخيرة للقوى الكردية داخل سورية كعامل مهم في التوجه لتطبيع العلاقات مع روسيا. لقد أصبحت القوى الكردية جزءاً مهماً من الاستراتيجية الأميركية في محاربة "داعش"، مع رفض الولايات المتحدة المتكرر للطلبات التركية لوقف الدعم للأكراد، والخشية التركية من إقامة دولة كردية داخل سورية، والتداعيات المحتملة لذلك على علاقة تركيا مع أكرادها والأكراد في العراق. كذلك، تشعر تركيا بالخذلان نتيجة للموقف الأميركي من الأزمة السورية ورفض الولايات المتحدة إقامة منطقة عازله داخل سورية، وكذلك إسقاط شرط تنحي الأسد عن الحكم والذي كان مطلباً تركياً للتوصل لاتفاق ينهي الأزمة السورية. بالإضافة لذلك، باتت تركيا تُدرك أنه من غير الممكن تجاهل تحول روسيا إلى لاعب رئيس في الأزمة السورية، لا يمكن تجاوزه إذا أرادت تركيا أن يكون لها دور في مستقبل سورية.

لذلك، فالاعتذار لروسيا يسعى إلى استعادة تركيا لدورها في الأزمة السورية وذلك لأهمية سورية لتركيا. وتطبيع العلاقات مع روسيا كفيل أيضاً بإنهاء الحصار الاقتصادي الروسي على تركيا نتيجة ذلك. هذه الخطوة أيضاً تمكّن تركيا من الاستفادة من العلاقات القوية التي تربط بين روسيا والأكراد السوريين وبالتالي إمكانية أن يكون لروسيا تأثير إيجابي في هذا الملف.

الاعتذار التركي لروسيا كفيل بأن يفتح المجال لعودة العلاقات بين البلدين لسابق عهدها وإن كان بشكل تدريجي، وتخفيف الأعباء والمشاكل التي نتجت عن ردة الفعل القوية لروسيا على إسقاط إحدى طائراتها. ويفسح المجال لاستعادة الدور التركي بسورية وإن كان باتجاهات مختلفة. فوائد تطبيع العلاقات ليست كلها تركية، فروسيا أيضاً ستكون رابحة منه اقتصادياً وقد تستطيع الاستفادة من تركيا في حل الأزمة السورية لاسيما أن تركيا ما تزال تتمتع بعلاقات قوية مع المعارضة السورية المسلحة في شمال سورية.

الاعتذار التركي يشكل استدارة كاملة للسياسة التركية الإقليمية، ويؤشر إلى بداية التخلي عن طموحاتها الكبرى في سورية. وإذا ما أخذنا الاتفاق التركي الإسرائيلي لتطبيع العلاقات بينهما بعين الاعتبار، فليس من المستبعد أن تكون المحطة التالية لتركيا هي تطبيع العلاقات مع مصر.

يبدو أن الواقعية السياسية ستكون سمة السياسة الخارجية التركية في المرحلة المقبلة.

(الغد 2016-06-30)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات