«السُلْطة» إذ تنعى.. «الرباعية الدولية»!
تتوالي سلسلة الخيبات السياسية التي تلاحق السلطة الفلسطينية واذرعتها المختلفة, في رهاناتها التي لم تتوقف على تقرير «الرباعية الدولية» المكوَّنة من الولايات المتحدة والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والاتحاد الروسي, والذي صورته حكومة نتنياهو والاعلام الاسرائيلي على انه سيكون تقريراً قاسياً ومُحرِجاً لاسرائيل وبخاصة أن واشنطن لن تُوقِف اي محاولات (داخل الرباعية) لتحميل تل ابيب مسؤولية فشل عملية السلام وسترى في الاستيطان غير شرعي وعقبة كأداء امام عملية السلام وهي ستُطالب بقيام دولة فلسطينية على الاراضي المحتلة في العام 1967 بما في ذلك القدس.. وغيرها من التسريبات المقصودة والمُبرمَجة اسرائيلياً حتى يتم تبرير التحرك المضاد الذي قاده نتنياهو في اكثر من عاصمة من عواصم «الرباعية», فيما بقيت السلطة تمارس «عادة» الانتظار والاطمئنان الى ان الرباعية ستكون مع الشرعية الدولية ومع القانون الدولي وغيرها من المصطلحات المغسولة التي لا رصيد لها على ارض الواقع.
كل ذلك لم يتحقق, وجاء تقرير الرباعية صادماً لكل الذين توهموا بأن تلك اللجنة التي لم تُنْجِز اي ملف حتى في بعده الانساني منذ أن تشكلت في مدريد العام 2002 حتى الان, وخصوصاً منذ ترأسها تاجر السياسة المُتلوِّن توني بلير في مثل هذه الايام قبل تسع سنوات (27/6/2007) فكيف يمكن لها بعد عقد ونصف تقريباً من السنين أن تقوم بالوظيفة التي انيطت بها؟ وقد وصلت الى طريق سدود لانعدام جديتها وفقدان صدقيتها ودائماً لأن اسرائيل ازدرتها وادارت لها الظهر, ولم تكن زيارات توني بلير (السياحية حتى يتذكر من نسي) سوى تزجية للوقت وشكل من اشكال الخداع الذي انطلى (كما تنطلي كل حركة سياسية ودبلوماسية متهافتة) على الفلسطينيين, الذين يُكرِّرون ان السلام «خيار استراتيجي» وان التنسيق الامني مع اسرائيل يكتسب «درجة القداسة» ولا تتعدى انتقاداتهم للنشاط الاستيطاني في الضفة المحتلة والاخر التهويدي في القدس, الكلمات فارغة المضمون كالإدانة ومطالبة «المجتمع الدولي» بالتحرك (لماذا لا يتحركون هم أنفسهم؟) ويقولون في استخذاء: ان عملية السلام في خطر وان اسرائيل تُعرِّض الأمن والاستقرار في المنطقة للخطر (صح النوم).
لم يعد ثمة مجال الآن لمزيد من المناورات، بعد ان أدّت الرباعية قسطها الى العُلى, وبعد ان تمخض جبل تقريرها عن فأر غير سمين، ساوى بين الاستيطان بما هو غير شرعي ويتعارض مع القانون الدولي الذي الحرص عليه والدعوة الى تطبيقه هي المهمة الاساسية للرباعية, وبين ما وصفه التقرير بـ»العنف» الذي يمارسه الفلسطينيون، ولم يأت جهابذة الرباعية على ذكر عنف المستوطنين ولا تغولهم ولا حتى مجرد ذكر بأن «حل الدولتين» هو خيار أخير, ربما لم يعد قابلاً للتطبيق إذا ما تواصل الاستيطان اليهودي في الضفة.
يبدو ان السلطة الفلسطينية وهي ترى في بيان الرباعية ما «يُعزِّز» قناعتها بعجز «الرباعية» وانتهاء دورها كذلك في العملية السياسية على ما ذكرت صحيفة الشرق الاوسط اللندنية يوم أمس نقلاً عن مصادر فلسطينية، فانها (السلطة) تستعد للقفز الى مربع جديد, بعد ان اصابها اليأس من الاقامة الطويلة في مربع الرباعية ولكن هذه المرة في اتجاه الاتحاد الاوروبي (الذي هو لمن ينسى... عضو في الرباعية) والتمسك بالمبادرة الفرنسية.
السلطة غاضبة من الصفحات العشر التي اصدرتها الرباعية كبيان اخير حول ما وصلت اليه اعمالها وخصوصاً انتقاد التقرير «العنف والتحريض على الكراهية وبناء المستوطنات وفقدان السلطة الفلسطينية السيطرة على قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس» ما رأت فيه الرباعية بأن «يُقوّض آمال التوصل الى سلام دائم»..
ورغم، ان التقرير لم يأتِ بجديد وبقيت الرباعية «وفيّة» لما دأبت على استخدامه من مصطلحات ومفردات تقول كل شيء ولكن لا تقول شيئاً في الآن ذاته، الاّ ان سلطة رام الله استبد بها الغضب وربما ظنت–لفرط سذاجتها–ان الرباعية كانت ستدعو مجلس الامن الى اصدار قرار بفرض عقوبات على اسرائيل, او احالة ملف الاحتلال والاستيطان والحروب التي لم تتوقف ضد قطاع غزة وسكانها, الى محكمة الجزاء الدولية وربما تحمست الولايات المتحدة وقد اغضبتها الاهانات التي ما يزال نتنياهو يوجهها لرئيسها, فقامت بفرض حصار بحري دولي على شواطئ فلسطين المحتلة.
شيء من هذا لن يحدث, حتى في الاحلام التي تأخذ صفة الكوابيس عند اهل السلطة، والاستدارة نحو المبادرة الفرنسية, التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به، مجرد «إبحار» جديد نحو المجهول واللاجدوى, الذي كرسته مسيرة اوسلو منذ نحو من ربع قرن, ولم يحصد الشعب الفلسطيني غير الخيبة والمزيد من الخسارات نظراً للفشل الذي لاحق مسيرة اوسلو ومن يُدافع عنها ويتمسك بها.
نعي الرباعية وتحميلها الفشل لن يُعفي اصحاب «الحق» من المسؤولية السياسية والوطنية والاخلاقية, ورفع يافطة المبادرة الفرنسية سيكون حُكماً مُسبقاً على ان هناك من لا يُريد ان يتعلم من اخطائه او يتراجع عنها, او يبادر الى بلورة مشروع «توحيدي» جديد، يُنقذ ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني»الاصلي» قبل ان يتبدّد وتطويه المؤامرات.
(المصدر: الرأي 2016-07-04)