عن دستور «روج آفا».. الفيدرالي!
يدفع كُرد سوريا «اجندتهم» بتسرُّع وعجلة, هي أقرب الى عملية حرق المراحل, منها الى اي وعي سياسي او ادراك واقعي لطبيعة الخرائط وموازين القوى السياسية والعسكرية وديكتاتورية الجغرافيا وخصوصاً وطأة الديموغرافيا التي يصعب على احد تجاوزها, اللهم الاّ اذا كانت اقوال المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا قد اثارت حفيظتهم او زادت من مخاوفهم عندما لفت في احد تصريحاته إلى ان نسبة الكرد في سوريا لا تتعدى 5% من عدد السكان.
مناسبة الحديث عن اجندة الكرد في سوريا، هو ما راج مؤخراً في وسائل الاعلام العربية وخصوصاً ما نقلته صحيفة الحياة اللندنية قبل يومين من قيام «الادارة الذاتية» في ما عُرف «اعلامياً» بفيدرالية روج آفا (الاسم الكردي لمنطقتي شمال وشماق شرق سوريا) بإعداد مسودة دستور فيدرالي «أولي» قيل انه تكوّن من 85 مادة, ويتحدث عن «شكل» هذه الفيدرالية ويُؤسس لها بل وسمّى مدينة قامشلو (القامشلي) عاصمة لفيدرالية كردستان سوريا, فضلاً عن «تفصيل» علم جديد لها, اضافة بالطبع عن مواد وردت في الدستور المُقترح تفتح الطريق امام قيام اقليم شبيه بإقليم كردستان العراق..
ثمة اذاً ما يلفت الانتباه في كل ما يروج ويُسرّب وبخاصة في التوقيت, اذ انه جاء بعد «المصالحة» التركية الروسية وليس لأي سبب آخر, والا فان تحرير مدينة «منبج» لم يتم، بل يبدو ان العملية التي بدأتها قوات سوريا الديمقراطية والتي عمادها قوات حماية الشعب (YPG) تُراوح مكانها بعد ان قام داعش بهجوم مضاد, اربك القوات المُهاجِمة او اجبرها على اعادة النظر في خطتها.
واذا ما اضفنا ما كان قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل ايام: بأن روسيا لا تقوم بحل المشكلة الكردية في سوريا، فان ذلك «الموقف» يضاف
الى ما قاله دي ميستورا، الامر الذي يعني تلاقي، وإنْ في شكل غير مباشر مع الموقف التركي من هذه «المسألة», التي تعني (في نظر تركيا بالطبع) معركة «وجودية» نظراً لأن عقد تركيا الراهنة التي نعرفها...سينفرط تماماً, في ظل الفسيفساء التركية العِرقية والطائفية والإثنية, والتي لا تقل «تصدعاً» عما يُقال عن بعض الدول العربية – إنْ لم نقل معظمها – التي رسم حدودها المُستعمِرون الفرنسيون والبريطانيون, ويُحكى الآن عن انتهاء «صلاحية» هذه الخرائط التي رسموها, وهم لذلك في صدد رسم خرائط جديدة (لو استطاعوا طبعاً) تزول فيها دول عرفها القرن العشرون ومطالع هذا القرن, وتبرز الى الوجود دول «جديدة» مبنية على اسس مذهبية وطائفية وخصوصاً قومية, يقف الكرد والامازيغ وبعض الاقليات العِرقية في مقدمتها.
لا يعني ذلك ان مهمة كرد سوريا ستكون سهلة وفي متناول اليد, حتى لو «ضمنوا» دعم وتأييد الولايات المتحدة الاميركية, فتجربة الكرد (عموماً) مع واشنطن كانت مريرة, وهي خذلتهم على الدوام وستكون جاهزة لخذلان مماثل عند اول «تكويعة», فليس للكُرد ذلك الثقل الذي يسهم في تعديل أو اختلال موازين القوى الاقليمية والدولية وبخاصة في منطقتنا, ناهيك عن انهم يتوزعون على اربع دول, ليس لواحدة منها (رغم العداء الذي بين بعض تلك الدول) مصلحة في بروز كيان مستقل في اي جزء من كردستان التاريخية, حيث سيُشكل ذلك «عدوى» لباقي الاجزاء, ما يُهدّد عقد كل دولة ويغير خريطتها الراهنة.
واذا ما اخذنا في الاعتبار انقسام كرد سوريا انفسهم حيث «االثِقَل» الأهّم هو الذي يمثله حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) بزعامة صالح مسلم, الذي يصل عدد مسلحيه الى 50 الف مقاتل (بينهم عرب وتركمان وسريان واشوريين, لكن الكرد هم عموده الفقري) فيما لا يشكل المجلس الوطني الكردي الذي ابرز قادته عبدالحكيم بشار والمنضوي تحت يافطة ائتلاف اسطنبول, اي وزن يُذكر, لكنه يستفيد من نظرة معارضات اسطنبول الذين يروا في حزب صالح مسلم رديفاً أو عميلاً للنظام في دمشق وليس فصيلاً مُعارِضاً, فيما تصنّفه انقرة كتنظيم ارهابي, أما واشنطن فلا تشاركها تلك النظرة, بل تقدم له دعماً هائلاً ويقال أنها قد اقامت ثلاث قواعد عسكرية في بعض الشمال السوري الذي يخضع لنفوذ قوات سوريا الديمقراطية في الرميلان والحسكة وعين العرب (كوباني).
الى ماذا يستند صالح مسلم... اذاً؟
يقول مسلم: إن الربط بين اقاليم الشمال وعفرين – مُقبِل... عاجلاً ام آجلاً – ما يعني ان الرجل يدوس على الخط «الاحمر» الذي رسمه اردوغان, لكن واشنطن لن تضحي (اقله الان) بأنقرة التي يبدو انها «تُناوِر» في شكل جديد ومختلف اذ نقلت الانباء ان تركيا «قد» تمنح «روسيا» حق استخدام قاعدة انجرليك الجوية, ما يعني ان هذه القاعدة ليست اطلسية بامتياز أو حصرياً.
ثم إن مسلم يقول في ما يشبه الاستغاثة: ان دولة عظمى كروسيا لن تقف ضد «قوة ريادية» مثل قوتنا, لها دور كبير في دحر داعش.
فهل صحيح أن موسكو على هذه الدرجة من السذاجة في ظل ازمة معقدة كالازمة السورية, يمكن تطيح كل ما «بنته» طوال عقود, كي تمنحه لحزب أو قوات»انفصالية», كي تُسهم في تمزيق دولة مركزية كسوريا, بل بما يتعداها الى المنطقة بأسرها؟
ما يثير المخاوف في كل ما يجري, هو ذهاب كرد سوريا بعيداً في «خيار» يبدو انتحاراً موصوفاً.
(الرأي 2016-07-05)