توظيف المقدس لتنفيذ مشروع سياسي إقليمي
للحروب العربية فضيلة واحدة ، هي التي احيت الجغرافيا العربية على حساب التاريخ المهان . باسم القتل والحرق والاغتيال والتدمير والفتنة بتنا نعرف اسم الانهار وضفافها والجبال والتلال والوهاد والقرى والمدن وحاراتها وازقتها ، وهي متشابهة باسمائها وعاداتها وتقاليدها في معظم البلاد العربية التي باتت مسرحا للدم والكراهية والتعصب . وبهذه المناسبة يحضرني قول اينشتاين :» الغضب والتعصب في مقدمة اعداء الفهم الصحيح «. وهو القائل ايضا :» انا على استعداد للموت ، ولكن لا يوجد سبب اكون من اجله على استعداد للقتل « .
هناك فيلسوف غربي لا اذكر اسمه اعتقد ان النصر الذي يحققه العنف هو بمثابة الهزيمة لأنه مؤقت . لذلك اقول ان النصر الذي حققه تنظيم داعش بالقتل والعنف والتخريب والظلم هو هزيمة مؤكدة عاجلا ام آجلا ، لأنه تحقق نتيجة الغضب والتعصب والفتنة الطائفية . وعندما نقف اليوم امام المشهد العربي العام نرى ان داعش ، التنظيم الواثق بنفسه بغباء ، بدأ يتقهقر، بعدما ضاق الخناق عليه ، وانسد الافق امامه ، وعلى كل الجبهات ، وفي مقدمتها سوريا والعراق وليبيا ، لذلك نراه يهرب الى الامام لتنفيذ عمليات ارهابية في المدن والمواقع الحدودية نتيجة صحوة الموت وكتابة النهاية .
ولكن محاربة داعش بالخيارات الامنية والعسكرية وحدها غير كافية ، لأن هزيمة هذا التنظيم الظلامي الظالم تتحقق بسرعة اليوم ، نتيجة ممارساته المبنية على التخلف والتعصب والعنف والظلم ، وهي العناصر التي تعجّل بهزيمته ، لأن البيئة الحاضنة تخلت عنه بحثا عن الخلاص . لذلك يجب محاربة داعش واجتثاثه عبر معركة شاملة وحرب مفتوحة لا تغيب عنها العدالة ، وتشمل الحقول التربوية والاعلامية والتثقيفية والسياسية والاجتماعية . هذا الوعي يجنبنا انبعاث داعش من تحت الرماد في طقس مختلف ، او استنساخها مرة اخرى تحت اسماء وعناوين جديدة تجذب الغاضبين والمهمشين والمحرومين ، لأن الفقر هو اشد اشكال العنف ، خصوصا عندما تغيب العدالة .
الحقيقة ان المستجدات والتطورات في المشهد تشير الى انهيار قوى التنظيم الارهابي على كافة الجبهات ، ولكن ما نخشاه أن يوجد من يرمي له طوق النجاة ، بفرض هدنة جديدة ، على غرار الهدنة في حلب والغوطة السورية ، تمكنه من اعادة تجميع قواته واعادة نشرها ، أو بتعزيز هذه القوات بالسلاح والرجال والمال ، لادامة الحرب والفوضى في بلاد العرب المستهدفة بمشروع غربي شيطاني بتفاصيله المكشوفة ، يريدون تحقيقه على ايدي سلالة الانتقام والقتل والتعصب الطائفي ، المتسلحة بثنائية الانتحار والتعصب .
والثابت أن حشر داعش في الزاوية دفع التنظيم الارهابي الى تصعيد عملياته الانتقامية الارهابية خلال شهر رمضان وفي ايام عيد الفطر ، وعلى الرغم من استخدامهم المقدس في الحشد والتجنيد والتجييش ، يلاحظ انهم اقتربوا كثيرا في عملياتهم الارهابية من المقدس ، كما حدث على مقربة من المسجد النبوي الشريف ، وفي شهر رمضان ، وهو ما احدث صدمة لدى المؤمنين في كل جهات الارض . وهذه العمليات تحمل رسائل تؤكد أن التنظيم الارهابي لبس عباءة الدين ولكنه يخدم اطرافا تسعى الى السلطة السياسية في البلاد العربية بهدف تنفيذ مشروع سياسي كبير ، وربما على المستوى الاقليمي ، بهدف طمس الهوية العربية والقضاء على أي محاولة لاحياء مشروع عربي نهضوي جديد ..
(الرأي 2016-07-11)