الظواهري عجوزا!
برغم أنّ زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، خصص شريطه الأخير للحديث عن أمير "القاعدة في جزيرة العرب"، ناصر الوحيشي، الذي قُتل في حزيران (يونيو) من العام الماضي، فإنّ المدة الكبرى من الشريط جاءت مسكونة بوقائع التنافس بين "القاعدة" وتنظيم "داعش"، والسجال الشخصي بينه -أي الظواهري- من جهة وزعيمي "داعش"؛ أبو بكر البغدادي والناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني، من جهة أخرى!
كرر الظواهري نفسه في الرد على تنظيم "داعش" وقياداته. لكّنه رفع السقف هذه المرّة إلى مستوى أعلى من الاتهام والنقد، فوصف قبول ابن لادن لبيعة البغدادي بأنّه قبول "مؤقت"، لعدم معرفته به سابقاً. ثم وصف القيادة الحالية لداعش بأنّها من ضباط جيش صدام والبعثيين، وهو الاتهام الذي يرد للمرة الأولى على لسان قائد "القاعدة". كما وصفهم -بصورة غير مباشرة- بالخوارج والتكفيريين.
لا قيمة أخرى تذكر للشريط فوق الرد على تنظيم "داعش". لكن من الواضح أنّ الظواهري بدا قلقاً من الضغوط التي تعرّضت لها جبهة النصرة سابقاً من قبل الأطراف الإقليمية لفك الارتباط بالقاعدة، والقبول بالهدنة العسكرية، والمشاركة في مفاوضات السلام، لذلك خصص جزءاً من هجومه على السعودية، التي اعتبر أنّ ما تقوم به يؤدي إلى "شق صفوف" التيارات الإسلامية في سورية. وتجاوز ذلك إلى اتهام السعودية بقتل زعيم "جيش الإسلام" زهران علوش، وهو اتهام مجافٍ للمنطق والصواب، بل على النقيض من ذلك اعتبر قتل علوش بمثابة ضربة قاسية للسعودية في حينه!
لكنّ هناك سببا آخر مبطّنا للهجوم على السعودية، وهو نفسه الدافع وراء محاولة إظهار نجم جديد صاعد من الشباب في عالم "القاعدة"، حمزة أسامة بن لادن، الذي ظهر المرة الأولى يدعو الإسلاميين إلى الوحدة في سورية. وقبيل شريط الظواهري الأخير، ظهر شريط آخر له يتوعد الولايات المتحدة الأميركية بالانتقام، فمن الواضح أنّ هناك بحثاً لدى "القاعدة" عن رموز جديدة من الشباب، بخاصة من السعودية، بعد أن أصبح أغلب السعوديين يتوجهون اليوم إلى "داعش" بدلاً من "القاعدة"، لاسيما أنّ هناك اتهامات عديدة بـ"تمصير" القاعدة، أي سيطرة التيار المصري عليها، وهي اتهامات تعود لفترة بن لادن نفسه!
هل يمكن بالفعل أن يساهم تظهير حمزة بن لادن في ردّ الشباب إلى "القاعدة" العجوز، وشيخها -الظواهري- الذي بدا عاجزاً في شريطه الأخير أمام الصعود الواضح لتنظيم "داعش" وقدرته على استقطاب الشباب وسحب البساط من تحت أقدام "القاعدة"، والحصول على ولاء العديد من الجماعات المهمة التابعة للسلفية الجهادية في العالم؟!
بالرغم من شرعية ميراث بن لادن في أوساط التيار السلفي الجهادي، إلا أنّ هذا العامل لا يكفي وحده ليواجه إقبال الأجيال الجديدة على الفكر الداعشي الأكثر تطرفاً وراديكالية من "القاعدة". فهناك مياه جرت تحت الأقدام، وظروف جديدة، تجعل من "داعش" الخيار الأنسب لجيل جديد أكثر راديكالية وغضباً وإحباطاً، بينما تبدو "القاعدة" وشيخها العجوز دعاة الحكمة والتعقل اليوم، بخاصة بعد المراجعات التي قام بها أسامة بن لادن وحملت في طياتها نقداً ذاتياً صارماً وموقفاً متساهلاً أكثر تجاه الشيعة والأقليات ومتحرّزاً في مسألة قتل المدنيين والأبرياء والمخالفين، على النقيض من خطاب "داعش" وسلوكه!
"الجيل الجهادي" الجديد مضى قدماً متجاوزاً محاولات "العقلنة" التي تجري في أوساط "القاعدة" اليوم مع اللاعقلانية والإحباط والراديكالية الجارية في عروق العالم العربي اليوم؛ مع فشل ثورات "الربيع العربي" في إيجاد "التحويلة" المطلوبة، وجهود الثورة المضادة في إفشال الحراك السلمي وانهيار النظام الإقليمي العربي وتفكك الدولة القطرية وبروز النفوذ الإيراني.
(الغد 2016-07-13)