حبة عنب بثلاثمائة دولار !!
من عاشوا طفولتهم في القرى يذكرون كيف كانت اشجار التين والصبر والعنب تُعرض للضمان بعشرة قروش فقط طيلة موسم الصيف، لهذا من حقهم ان يندهشوا وهم يرون حبة التين تباع بنصف دينار وثمرة الصبر بربع دينار وعنقود العنب بدينارين !! لكن ما استوقفني وخفّف من دهشتي قبل ايام هو ما قرأته عن سعر عنقود عنب بيع في اليابان بعشرة الاف دولار كما بيعت بطيخة في العام الماضي بثلاثة الاف وخمسمائة دولار وبلغ سعر شمامة واحدة سبعة الاف دولار ! ومن يقرأ هذه الارقام قد يشعر للحظة بأن الفاكهة في بلادنا توزع بالمجان وليس من حقه ان يشكو من ارتفاع اسعارها، لكنه ما ان يعرف ان حجم حبة العنب يعادل حجم كرة الطاولة حتى يعيد النظر، وقد تحتاج بطيخة واحدة الى خمسة رجال لحملها ! والمسألة ليست كما يتصور البعض مجرد تلاعب بالجينات او حقن بالهرمونات، رغم ان مثل هذا التلاعب اعاد تشكيل بعض الثمار، بحيث تصبح البطيخة مربعة والخيار كرويا والموز بلا قشور ! بالطبع سيتساءل من يقرأ هذه الارقام عن الزبائن الذين غامروا بشراء عنقود العنب بعشرة الاف دولار، وهو يتكون من ثلاثين حبة، بحيث يصبح سعر الحبة الواحدة اكثر من ثلاثمائة دولار ! فهل سيأتي يوم يتفرج فيه الناس على الفاكهة خلف واجهات الزجاج كما يتفرجون على المجوهرات ويسيل لعابهم ثم يبلعونه ويعودون الى بيوتهم ؟ لقد تغيّر العالم كثيرا، وتضاعف سكان هذا الكوكب الاف المرات ولم يعد هناك ما يكفي، فالماء مهدد تماما كما ان ما تبقى من منظومة القيم اصبح على وشك الوداع . وقد يحتاج الانسان في هذا الزمن الى خيال جامح كي يتصور ما الذي ستؤول اليه الحياة بعد نصف قرن ؟ فما كان خيالا علميا كالذي قدمه ويلز اصبح واقعا، والمدن الفاضلة التي حلم بها فلاسفة كالفارابي انتهت الى ديستوبيات او مدن راذلة ! فالانسان تدنى سعره الى اقل من ثمن رصاصة اما البطيخة فقد اصبحت تساوي اكثر من ثلاثة الاف دولار !!
(الدستور 2016-07-13)