عن الدولة .. رقم 193!

تم نشره الأربعاء 13 تمّوز / يوليو 2016 12:27 صباحاً
عن الدولة .. رقم 193!
محمد خروب

هي الدولة «الأحدث» في قائمة الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي تحمل اسم جمهورية جنوب السودان, حيث تم «استيلادها» في التاسع من تموز 2011، بعد ان اجتمعت «ارادة» اربع قِوى رئيسية ارادت عن سابق تصميم تقسيم دولة السودان العربية / الافريقية، في اطار المُخطّط الذي لم يعُد اصحابه يتحفّظون على مندرجاته، والتي تصب في خانة شطب اسم ومصطلح «العالم العربي» ومنعه من التداول، بعد ان اكتسب قوة ودعماً شعبياً هائلاً وتُرجِم في احدى مراحله في الوحدة التي جمعت بين مصر وسوريا وانتجت دولة حملت اسم «الجمهورية العربية المتحدة»، وبقيت القاهرة مُحافِظة على هذه التسمية المثقلة بالمعاني والدلالات حتى بعد جريمة الانفصال، الى ان استغّل انور السادات, غياب جمال عبدالناصر ونجح في فبركة مسرحية «مراكز القوى» ليشطب هذا الاسم وليُطلِق على ارض الكنانة اسم جمهورية مصر العربية.. أما المنطقة العربية فباتت تُعرف منذ ذلك الوقت، وتدريجياً الى ان تَكرَّس المصطلح وبات معتمداً في التداول الرسمي والدبلوماسي والاعلامي: منطقة «الشرق الأوسط وشمال افريقيا».

ما علينا..

القوى الأربع التي تآمرت على السودان «الموَحّد» بشكل او آخر, وإن غير مُعلَن او مباشر, وبأدوار متفاوتة في القوة والتأثير هي : الولايات المتحدة الاميركية التي واظبت على مهاجمة النظام الحاكم في الخرطوم واتهامه بممارسة القمع ومحاولة أسلمة الدولة وفرض الشريعة على اهل الجنوب غير المسلمين ومنهم وثنيون ايضاً, وهي وإنْ كانت مُحِقة في معظم اتهاماتها، الا انها كعادتها في إملاء سياساتها على الدول الاخرى وجدت في ذلك ذريعة للمضي قُدُماً في تقسيم السودان ولم يتوقف الكونغرس واللوبيات المتصهينة وتلك «المسيحانية» من الدعوة الى «استقلال» الجنوب وفصله عن الشمال «المسلم» وخصوصاً بعد ان توفّر الجنوب على ثروة نفطية تجارية.

ليست واشنطن وحدها, بل ثمة نظام الحكم في الخرطوم في عهوده المختلفة وخصوصاً بعد انقلاب 30 حزيران 1989 وبروز الثنائي البشير والترابي ورفعهما راية «الاسلام السياسي» بتسمياته المختلفة التي برع في نحتها المرحوم حسن الترابي, وحتى بعد انهيار «الشراكة» بينهما بانقضاء عشر سنوات على الانقلاب العسكري الذي حمل اسم ثورة الانقاذ في العام 1999، إلاّ ان مقارفات النظام واصراره على الحل العسكري المترافق مع محاولات فرض قوانين الشريعة كانت قد وضعت حداً لمحاولات رأب الصدع او ايجاد تسوية تُبقي على وحدة السودان وتؤسس لدولة ديمقراطية تعددية تحفظ حقوق مواطنيها,بعيدا عن «العنصرية» والاستعلاء والقمع وسلب الحقوق المدنية وفي مقدمتها حقوق المواطنة والمساواة والعدالة.. ما بالك وان زعيم «التمرد» كما كان يحلو لمسؤولي الخرطوم وصف الراحل جون قرنق, كان قد خطفه الموت في حادث سقوط طائرة مروحية اثناء عودته الى جوبا اثر توقيع «اتفاق نيفاشا»، وهو المناضل الذي اسس جيشا اسماه «الجيش الشعبي لتحرير السودان»، ولم يكن يسعى الى انشاء دولة مستقلة في الجنوب بل التأسيس لدولة سودانية حديثة وديمقراطية, تمنح الحقوق لكل مواطنيها، وجاء بعده رجل ميليشيات, بلا ثقافة او فهم عميق لمشكلات السودان وتعقيدات المشهد الافريقي اسمه سيلفا كير ميارديت وضع نصب عينيه ان يكون رئيسا لدولة جديدة, حتى في فقرها وتدهور مقوماتها كدولة, فضلا عن الصراع الذي لا ولن ينتهي بين قبائلها وخصوصا الاكبر والاقوى فيها, قبيلة «الدنكا» التي ينتمي اليها ميارديت وقبيلة «النوير» التي ينتمي اليها نائبه رياك مشار..

مسؤولية مجلس الكنائس العالمي واضحة في هذا الشأن كطرف ثالث مؤثر ويتوفر على دعم «كنسي» وسياسي واعلامي مهول, اضافة بالطبع الى الامم المتحدة التي تزعم انها وسيط نزيه ,لكنها في واقع الحال تأتمر بأمر واشنطن, وما عدا ذلك ذرّ للرماد في العيون, على النحو الذي نجده في كل «المهمات» التي تنهض بها قوات الامم المتحدة في اكثر من مكان تبرز في لبنان والصحراء الغربية ، وخصوصا في جنوب السودان حيث تحمل الاسم المختصر «مينوس». فيما يقول مجلس الكنائس العالمي في بيان غاضب يعكس ارتباكا وخيبة أمل.. «.. لقد ولّت أيام حمل السلاح وحان الوقت لبناء دولة سلمية».

صح النوم.. خمس سنوات ,هي عمر الدولة الوليدة التي لم تعرف سوى الحروب الاهلية والفساد وانهيار مؤسسات الدولة على هزالها وبدائيتها، فيما واصلت شركات النفط نهب بترولها وتركت سيلفا كير وريك مشار يأخذانها الى الفوضى والاقتتال والمجاعة.

اطرف ما في الموضوع ان مجلس الامن «مصدوم وغاضب» والولايات المتحدة تُدين بـ»أشد العبارات» عودة العنف»المجنون» الى جنوب السودان.. اما كي مون فيدعو الى فرض حظر «فوري» للسلاح.. ومعاقبة القادة السياسيين والعسكريين, أما الاكثر طرافة فهو عرض الرئيس السوداني «وساطته» بين سيلفا كير ومشار وكأني به يقول لهم: أما كان افضل لكما لو بقيتما في السودان الموحد؟ في محاولة لنفي «دوره» في تقسيم السودان.

أين من هنا؟

جنوب السودان «منذور» للفوضى وربما «التقسيم» بعد ان تحول في غضون خمس سنوات فقط الى دولة فاشلة بامتياز, بلا اقتصاد او مرافق او موارد. اما شمال السودان فهو على الطريق ذاته ولكن بتَمَهُّل أوانتظار المفاجآت.

(الرأي 2016-07-13)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات