هل ستتغير تركيا بعد الانقلاب ؟!
خرجت تركيا من انقلاب عسكري، لايمكن اعتباره في الاساس مكتمل الاركان، خصوصا ان الرئيس اردوغان ورئيس الحكومة، بقيا بمأمن من يد الانقلابيين، ولو سقطا، لربما تغير كل السيناريو الذي رأيناه في تركيا. عدد الانقلابيين الفا عنصر عسكري، من اصل ربع مليون عسكري تركي، والعدد قليل جدا، وغير قادر على تنفيذ انقلاب عسكري محكم، هذا فوق ان اغلبية الجيش التركي اليوم، موالية للنظام، بعد تطهير الجيش مرارا من مراكز قوى مناوئة لحزب التقدم والعدالة. الانقلابيون اعتقدوا ان السيطرة على الاعلام الرسمي، وعلى المواقع الاساسية، كفيل بالسيطرة على الدولة، لكن الامر لم يجر هكذا، فأردوغان بمأمن وكذا اركان سلطته، واغلب الجيش التركي ضد الانقلاب، وليس طرفا فيه، وعنصرا السيطرة والمفاجأة لم يكونا كافيين لاستلام الدولة والانقلاب على الحكم الحالي، يضاف الى ذلك تجاوب الاتراك مع الدعوة بالنزول الى الشارع من جانب اردوغان، وهم هنا، كانوا يدافعون فعليا عن استقرار تركيا، قبل دفاعهم عن اردوغان ورمزيته، لمعرفتهم ان عودة الحكم العسكري تعني انهيار الرفاه والرخاء والاستقرار وهي احوال باتت واضحة في تركيا، اضافة لإيمانهم ان هناك شرعية منتخبة، لا يجوز الانقلاب عليها بهذه الطريقة اساسا، مهما بلغت الانتقادات لهذه الادارة، او الاخطاء التي وقعت بها، فكل هذا لا يجيز الانقلاب. لكن علينا ان نسأل السؤال المهم، عما ستكون عليه تركيا بعد الانقلاب، والارجح انها ستنزع نحو تغييرات على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي، اذ ان تركيا تواجه اخطارا كبيرة، تجلت في عداوة الروس، وتآمر الاسرائيليين، واخطار الاكراد الانفصاليين، وتنظيمات التشدد، ووجود امتداد لحركة الخدمة التي يتزعمها فتح الله غولن داخل المؤسسة التركية، المدنية والعسكرية، والخلافات مع سورية والعراق ومصر، ووجود مآخذ من دول غربية على تركيا جراء سياساتها المختلفة. كل هذه العقد سيتم العمل على تفكيكها، لازالة اي دوافع لدى اي اطراف محلية او اقليمية او دولية بالعبث في تركيا، وقد رأينا كيف تفجر جهات في مطار اتاتورك، مثلما يستعد الاكراد لانفصال لم ينضج بعد، والواضح تماما، ان هناك من يريد خلخلة تركيا، لاعتبارات مختلفة، وحتى الانقلاب الفاشل سوف يترك اثره السلبي اجتماعيا واقتصاديا على الحياة في تركيا، ففشله، لايعني ان لا اثار له. تقييمات انقرة، دقيقة، صالحت الروس، وطبّعت مع الاسرائيليين، والمحت الى تخفيف العداوة مع دمشق الرسمية، والارجح اليوم، ان تتجه لعلاقات اكبر واوسع وافضل مع سوريا الحالية، لاعتبارات كثيرة اقلها حصر الاكراد، وخنق داعش، بما يعني ان تركيا سترفع يدها عن الملف السوري، وسوف تقوم بإدارته بشكل مختلف، على حساب دعمها للثورة السورية، ولداعش سابقا، ولعمليات التسليح وادخال المقاتلين الى سورية. سيتم تخفيف العداوة او ازالتها مع القاهرة الرسمية، وهو ما اعلن عنه رئيس الحكومة التركية قبل ايام، والسبب ان انقرة تريد التخلص من الثارات النائمة بينها وبين دول عربية على خلفية دعم انقرة لجماعات سياسية محددة في المنطقة. لا يمكن لتركيا بعد الانقلاب، ان تبقى تركيا مثلما كانت، وسنرى بأم اعيننا حملات تطهير واسعة داخل الجيش والقضاء، ومواجهة مباشرة مع جماعة فتح الله غولن، حتى لو ادت للمطالبة بتسليمه من الولايات المتحدة، اضافة الى وضع اليد على مؤسساته اذا كان ذلك ممكنا قانونيا، فالانقلاب لن يسمح بتدريج الحلول مع حركة الخدمة، بل سيذهب بالدولة التركية الى مواجهة نهائية مع الحركة خلال الفترة المقبلة. في الاغلب ان تركيا ايضا، سوف تسعى الى تطوير علاقاتها مع دول كثيرة، وتسوية ملفات، فهذا الانقلاب الفاشل، بمثابة هزة صغيرة، ستؤدي الى مراجعة الحسابات، فالانقلاب الذي فشل، لا يعني ان لا اخطار محتملة على الطريق من باب انقلابات اخرى، صغيرة ام كبيرة، او تصدير الارهاب الى تركيا، او تصعيد الاكراد لمواجهتهم. لا يعقل ان يقف الاتراك عند حدود الاحتفال بفشل انقلاب عسكري.على الارجح ان العقل المركزي، سيقرأ الدلالة مع حوادث ثانية، وقد اثبتت انقرة انها براغماتية على الدوام، وستعيد التموضع، صيانة لمكانتها، وتفكيكا لمعسكرات العداوة الداخلية والخارجية، فما من جهة او شخص او دولة، يسكت امام تجمع العداوات لاعتبارات مختلفة، ولايسعى لخلخلتها.
(الدستور 2016-07-17)