ليلة في اسطنبول !!
تلك الليلة لم تكن في اسطنبول او انقرة او ازمير، بل امام الشاشات بدءا من منتصف الليل حتى هزيعه الاخير، ولا اظن ان احدا له صلة بالاحداث والحراكات السياسية استطاع ان يغفو قبل ان يسدل السّتار، واكاد اجزم ان هناك من المعلقين من كتب لصحيفته مقالتين، واحدة انتهت الى سلة المهملات والاخرى قرر نشرها، لأن منتصف ليلة اسطنبول كان يقول شيئا ، وهزيعها الاخير يقول شيئا آخر، والانقلاب العسكري الذي استهدف اردوغان ونظامه نجح وفشل بالسرعة ذاتها، لأن مصادر الاخبار المتسارعة والباحثة عن سبق صحفي حشدت التناقضات كلها على شاشة واحدة . كان اطرف ما سمعته من تعليقات هو ان اردوغان سيحقق انتصارا مماثلا لذلك الانتصار الذي حققه حين انسحب عن منصة دافوس احتجاجا على خطاب شمعون بيريس، وسوف يستقبله في مطار اسطنبول اعداد غفيرة تذكّرنا بمن استقبلوه بعد عودته من دافوس، لكن المشهد اختلف تماما، فهذه المرة يعلن اردوغان انتصاره على الانقلابين بعد ايام من المصالحة مع تل ابيب والتي دفعت ثمنها حنين الزعبي عندما انقضّ عليها ثيران من نواب الكنيست حولوا الحوار الى خُوار . وما استوقفني ايضا في زحام الماراثون الفضائي حول الانقلاب التركي هو تسرع البعض في حشد القرائن للبرهنة على نجاح الانقلاب، ثم بعد ساعة فقط بدأ بحثهم عن قرائن اخرى مضادة وكأنهم يراهنون على الحصانين الابيض والاسود . كانت تلك الليلة مجالا حيويا للكشف عن النوايا وبالتالي ما يسمى في علم النفس التفكير الرغائبي . لقد بدأ الانقلاب ليلا وانتهى قبل الفجر، لكن حاصل جمع التغطيات الفضائية له يكفي لتغطية حرب السبعين سنة في اوروبا او الحرب العالمية الثانية . والمسألة ليست في نجاح او فشل هذا الانقلاب ، بل في التعامل الاعلامي معه، يحيث ما يزال البعض يصدقون ان جيش اتاتورك وظيفته حراسة العلمانية !!
(الدستور 2016-07-17)