بيوت من زجاج !!
أليس غريبا ان يقذف اصحاب البيوت الزجاجية بالحجارة بيوتا من اسمنت وحديد ؟ هذا السؤال قد يختصر حكاية طويلة في العالم العربي الذي تحصّن الناس فيه ضدّ النقد ومنهم من ادّعى المعصومية، ومن يرصد عيّنات من الاعلام العربي في مختلف مراحله يجد انه إما بلا ذاكرة او بلا خجل، لأن التناقضات فادحة من حيث خلط المفاهيم وفاضحة لذهنية تخضع للغرائز وبدلا من ان يتستر من لم يعرف شيئا عن الديموقراطية والتمدن لأنه مُبتلى بثالوث الباترياركية والثيوقراطية والاوتوقراطية، يشهر عيوبه في الهواء الطلق، ويذكّر الاخرين بما نسوه او تناسوه عن احواله . ومنذ دخل المذياع الخشبي العالم العربي حتى آخر جيل تكنولوجي من» الميديا « كان الهجاء المتبادل هو البديل عن الحوار، ولو عاش شعراء النقائض في العصر الاموي الى ايامنا لوجدوا مجالا بالغ الحيوية لممارسة هجائياتهم ورعاة لهذا الهجاء لا تكف ايديهم عن قذف اكياس الدراهم . في ستينات القرن الماضي كان من تمتلىء سجونه بمختلف الوان الطيف السياسي من اليسار واليمين والوسط يتناسى ان زنازينه من زجاج، فيرمي الحجارة على الاخرين في مختلف الجهات، ولم يكن يومئذ من الشهود ما يكفي لكشف المسكوت عنه والمستور . ان تطوير ادوات الاعلام وتقنياته كان وما يزال معزولا عن تطوير الرؤى والمفاهيم، واحيانا يكون المنجز العلمي في خدمة العصاب الايديولوجي، تماما كما تطورت ادوات التعذيب واساليب انتهاك حقوق البشر ! وقد يغيب عن الذين حلموا بالوحدة العربية انها تحققت لكن على نحو معكوس، فالتخلف والتجهيل والاقتتال الطائفي هي قواسم قومية مشتركة، ومن لا يصدق ما نقول عليه ان يعيد قراءة التقارير التي تنشر موسميا عن احوال العرب، بدءا من نسب البطالة حتى تدني المستوى الاكاديمي للجامعات !!
(الدستور 2016-07-18)