الانقلاب التركي واحتفاليته المهيبة!!
كثيرون كانوا في زفة استثنائية ليلة السبت، وكانت لهم سهرة حمراء، على وقع أخبار الانقلاب في تركيا. من طهران إلى مناطق معينة في سوريا، وصولا إلى ضاحية بيروت الجنوبية، وحتى القاهرة (غير الشعبية، أي نخبة النظام) وفي عواصم أخرى حيث يتكاثر أعداء الثورات والشعوب، ويتكاثر أعداء أرودغان من علمانيين مرضى ويساريين وقوميين ينتصرون لبشار؛ إلى ألوان شتى من أبواق الأنظمة. كل أولئك كانوا في حالة سكر وانتشاء، فالأخبار كانت تشير بالفعل لنجاح الانقلاب، وما من شيء أمام الناس سوى الفضائيات، وهي؛ بمن فيها الأكثر تأييدا لأردوغان، كحال الجزيرة، لم تكن تقول الكثير مما ينفي الأمر تماما بعد سيطرة الانقلابيين على الفضائيات الرسمية وإعلان الأحكام العرفية ووقف حركة النقل في مطار أتاتورك، وحين لم يظهر رئيس الوزراء مطلقا، ولم يظهر أردوغان إلا من خلال مكالمة بـ”الموبايل”. كان من حق أولئك والحالة هذه أن يحتفلوا، وأن يدوي رصاص الاحتفال في بعض مناطق النظام في دمشق، وكذلك في ضاحية بيروت الجنوبية التي منع فيها “السيد” إطلاق الرصاص في الاحتفالات مرارا، واعتبره موجها “لعمامته”. أما في طهران، فتحدث جواد ظريف عن الأمر دون أن يسميه انقلابا (سمّاه كذلك فشله)، بينما كانت وسائل الإعلام الإيرانية تحتفل بطريقتها. وحين كانت القلوب قد بلغت الحناجر عند جحافل من المستضعفين في الأرض، ولدى غالبية من الشارع العربي والإسلامي، ممن ينحازون لتركيا ولأردوغان، أيا كان الخلاف مع بعض سياساته، لم يلبث مسار الأخبار أن أخذ يتغير تباعا. حدث ذلك حين بدأ الوضع يتماسك من جديد بقوة دفع الجماهير التي نزلت إلى الشوارع بعد منتصف الليل، وظلت تواجه الدبابات بصدورها العارية، الأمر الذي شجع قطاعات من الشرطة على التمرد، ودفع الطرفان مقابل ذلك سربا من الشهداء (أكثر من 161 حسب رئيس الوزراء)، تماما كما شجعوا الآخرين ممن يرفضون الانقلاب على التحرك والرفض، وهو ما قلب الموازين. الأحزاب، وأكثرها على خلاف كبير مع أردوغان كان موقفها مشرفا باستنثاء حزب الشعوب (الكردي). كذلك كان حال الرجل النبيل أحمد داوود أوغلو، وحال عبد الله غل، ورجال آخرون ما خذلوا شعبهم، ولو كانوا جبناء لحزموا أمتعتهم وهربوا، وقبل هؤلاء وبعدهم أردوغان الذي ظل متماسكا وصامدا، بينما كانت فضائيات الإرجاف تروّج لطلبه اللجوء في الخارج، وقال بعضها إن طائرته في الطريق إلى الدوحة كما ذهبت وكالة تابعة للحرس الثوري الإيراني، وبعض فضائيات العرب المنحازة للثورة المضادة. كثيرون ساهموا في إفشال الانقلاب من داخل الدولة العميقة ذاتها، والتي ثبت أنها موجودة بالفعل، وأن أردوغان لم يكن يسيطر عليها، لكن هؤلاء جميعا لم يكونوا ليتشجعوا لولا بسالة الجماهير التي نزلت إلى الشوارع متحدية نظام حظر التجول الذي أعلنه الانقلابيون. هكذا انتصر الشعب، وهو لم يتجاوز بهذا الانتصار انقلابا وحسب، بل طوى حقبة بكاملها، ودخل إلى نادي الدول الديمقراطية التي لن تعود إلى الوراء مرة أخرى، ولن تخضع لحكم الجنرالات من جديد، وعلى من يحكمها أن يأتي باختيارها. ومن يكون بوسعها أن تغيره بالصناديق لا يمكن أن يسمّى دكتاتورا حتى لو تورط في ممارسات تنتمي للغة الشمولية بهذا القدر أوذاك. نكتب ظهر السبت وحيث تطالب الرئاسة التركية الجماهير بأن تواصل تواجدها في الشارع حتى يستقر الوضع تماما. نكتب لنقول إن أردوغان انتصر في المواجهة، لكنه حاكم سيذهب يوما ويأتي سواه، لكن الانتصار الأكبر هو انتصار الشعب الذي أثبت أنه جدير بالحرية والكرامة.
(الدستور 2016-07-17)