تصنيم أردوغان
دافع الاتراك عن الدولة، ودافع العرب عن اردوغان الزعيم، والاتراك ايضا رفعوا اعلام تركيا في كل مكان، والعرب انشغلوا بتصنيم اردوغان ورفع صوره. هذه طريقة عربية في ادارة ردود الفعل، ولو عدنا الى التاريخ، لقرأنا كلاما جميلا عن صلاح الدين الايوبي، باعتباره حرر القدس، لكن لا احد يتحدث عن مئات الاف الجنود والقادة، والشهداء، والجرحى، والامهات والزوجات الصابرات، ولا عن الذين تبرعوا للمعركة، فتتكثف كل القصة في شخص صلاح الدين الايوبي، وهو جدير بالبطولة، لكنه لم يكن وحيدا بها، بل كان رمزا لقيادة ومرحلة، فأين بقية شهود المعركة ورجالها؟!. الطريقة العربية ذاتها، نراها في كل مرحلة، تصنيم عبدالناصر، تصنيم صدام حسين، والوثنية السياسية، ضاربة في الاعماق، وَيْكأنها خرجت من نفوسنا، لا بتوحيد، ولا بممارسات، فمال زال الوثن حيا في نفوسنا. ليس انتقاصا من اردوغان، لكننا نعيد القصة الى مربعها الاول، فالاتراك يحبونه، وخرجوا بتأثير منه.لاشك ابدا.لكن دفاعا عن استقرار البلد، وخوفا من عودة العسكر، والقمع، والفوضى، خرجوا دفاعا عن وحدة بلادهم التي يهددها الاكراد والدواعش، خرجوا دفاعا عن الرفاه والاستقرار، وكل هذا يعود الى مؤسسة، والى بنية كبيرة كاملة، والى انتخابات نزيهة، ووجود كتلة نيابية داعمة لسياسات الحكومة، ولوجود رمز يتمثل باردوغان، لكنه جزء من كل، ويعبر عن مرحلة متكاملة، وليس عن شخص، فلا شخص في العالم اليوم، قادر على ادارة بلد، وتحسين ظروفها وحمايتها منفردا، وحيدا، دون ان يشاركه مئات الالاف في كل موقع، شراكة مؤسسية، وليس عبادة للفرد. كان لافتا كيف انقسم العرب ازاء اردوغان، فالذين يكرهونه او يكرهون الاخوان المسلمين، وغير ذلك، من جماعات ذات اتجاهات معينة، صبوا غضبهم عليه شخصيا، بكلام جارح، ومقيت، والذين معه، اندفعوا يكبرون ويهللون للشخص، باعتباره كل شي، وكأن لا شيء اخر في الافق، ولا شيء عند الاتراك سوى «الشخص»؟!. هذا خلل بنيوي في الذهنية العربية، خلل قديم له جذوره التاريخية، اذ اننا وحدنا من دون الامم يحرك عائلة كبيرة او قبيلة منا، شخص واحد، ولا بد من كبير نتبعه، يأتمر البقية بأمره، والوثن الذي كان من حجر، تحول الى وثن من لحم ودم، وليس ادل على ذلك، من اننا نحاكم فترات عبد الناصر وصدام حسين، من باب اعجاب شخصي، او كراهية شخصية، ولا احد يتحدث عن الدولة او الشعب او المرحلة او الكل، فالشخص اذا احبوه غفروا خطاياه، واذا كرهوه، صبوا عليه لعناتهم، وهذا يفسر ان الجمهور الذي يحب اردوغان يتعامى عن اي صورة له مع اي مسؤول اسرائيلي، ولانه يكره زعماء آخرين، لا يقبلون منهم، حتى الطواف حول الكعبة، فالعربي يفكر بقلبه اولا. اردوغان ربما محسود على هذه الشعبية في العالم العربي، ولها اسبابها طبعا، لكن في نهاية المطاف، كانت شعبيته وليدة مؤسسة ومرحلة وشراكات، ونتيجة شعب احترم المؤسسة، ولو اخذنا اردوغان ليحكم بلدا عربيا، لما فعل شيئا، ولو كان وحيدا في تركيا، دون كل هذه الروافع الشعبية للمؤسسة وللبرنامج الرسمي والحزبي، لما استطاع فعل شيء. ما من دلالة مثيرة جدا، الا في الصورة، فكل العرب يرفعون صورة اردوغان، محبين مبايعين، والذين يكرهونه ينشرون صورته شاتمين صارخين، فيما بيته الاساس، ومعقله حيث الاتراك، لا يعبد الشخص، فرفعوا علم تركيا، ونزلوا للشوارع دفاعا عن استقرار بلد، وصل حافة الخطر، ولم ينزلوا ليقدموا دمهم دفاعا عن شخص الحاكم. حتى نعود الى معنى «التوحيد» بمغزاه الديني، الذي يشمل وجها سياسيا، يأبى عبادة الفرد، نحتاج الى وقت طويل، لكنني بطبيعة الحال، لا انكر ان الرمزية قد تسرق الناس احيانا باتجاه الشخص، فيما حادثة الانقلاب قالت لنا فعليا، ان للشخص تأثيره، لكن للجمهور والمؤسسة والدولة والوطن، التأثير الاهم والاكبر، والذي استفاد منه الشخص، بشكل طبيعي، فوق انجازه داخل بلاده. كل الدول الناجحة والحية، لا تقع في ضلالة تصنيم القيادات، واعطوني دولة حية مزدهرة واحدة في العالم، يتم فيها تصنيم الزعيم، اذ غالبا ما يأتي تصنيم الزعيم، مع خراب كامل، وشخصيا ومعي اخرون، خفنا على تركيا ان تغرق في الفوضى، والاضطراب والدم والخراب، وتلتحق بكل خراب الشرق، ولم نخف على اردوغان، فالحكام يأتون ويذهبون، والشعوب هي الاهم، وهي الباقية فقط وسط المتحولات. ذات اردوغان لو سألتموه، لا حتقر كل هذا التصنيم والذين مارسوه، فهو يعرف نهاية المطاف، ان له عمرا مقدرا عند الله، وسيرحل ذات يوم، فهل ستختفي تركيا بعده، والفرق كبير جدا بين التصنيم، والشعبية....أليس كذلك؟!.
(الدستور 2016-07-18)