الهيئة العليا للمفاوضات: المناورة.. الأخيرة!
فيما تتواصل اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عما بات يعرف بمؤتمر الرياض, وفيما تتوانى ردود الفعل، الاقليمية والدولية على ال»لا» إنقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا يوم الخامس عشر من الشهر الجاري, وفيما يراقب العالم اجمع تداعيات الانقلاب «المضاد» الذي يقوده الرئيس التركي ضد خصومه المُفترضين والحقيقيين, ويساوِره القلق في شأن الخطوات الانتقامية التي يُزمع الرئيس «الجريح»، اللجوء اليها للتنكيل بمعارضيه وخصوصاً نيته اعادة العمل بعقوبة الاعدام، التي كان الغاها قبل اربع سنوات خضوعا لشروط الاتحاد الأوروبي الذي طالبه بالتماشي مع معايير الاتحاد اذا ما اراد بالفعل الانضمام لعضويته، وفيما يُحرِز الجيش السوري تقدما على اكثر من جبهة وخصوصا في حلب, بعد ان نجح في إحكام الطوق على اماكن وأحياء تجمع المسلحين وزمر الارهابيين في شرقي العاصمة الاقتصادية لسوريا, بسيطرته على طريق الكاستيلو الاستراتيجي وبسط حضوره الميداني في دوار الليرمون, ليقطع الطريق على اي إمكانية لوصول امدادات للمسلحين في شرقي حلب.
نقول: في خضم ذلك كله, فان الاجواء التي تجري فيها اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات, في الرياض الان, تشير الى تقلّص هوامش المناورة امام معارضة الائتلاف الذي يعاني تصدعات بنوية تمثلت, ضمن امور اخرى, في استقالة الارهابي المُسمّى «كبير المفاوضين» محمد علوش، وتراجع دور وأهمية رئيس الوفد اسعد الزعبي, الذي يَرْشَح انه سيستقيل نهائيا وثمة من يتحدث عن ارتفاع حظوظ نصر الحريري وبسمة قضماني, لتولي منصب رئاسة الهيئة, الامر الذي يعني نهاية مرحلة ظن الداعمون للهيئة ولائتلاف المعارضات انهم بذلك قد جاؤوا بوفد «ثقيل» لمواجهة وفد النظام، فاذا به وفد بلا وزن او تأثير او وعيّ على طبيعة المرحلة التي تمر بها سوريا والمنطقة, وبخاصة بعد خمس سنوات من القتل وسفك الدماء والدمار والخراب في سوريا, دفع ثمنها السوريون من دمائهم واملاكهم ومستقبل ابنائهم... الكثير، ما استدعى وبالضرورة ان يتوفروا على مزيد من النضج السياسي والوطنية, لايجاد حل سياسي للازمة والتخلي عن شروط تعجيزية غير قابلة للتنفيذ, سواء في ضوء موازين القوى العسكرية على الساحة السورية, ام في تخلي الكثير من الداعمين والرعاة والممولين عن ما يسمى بالمعارضات السورية وخصوصا في شِقها السياسي.
ناهيك عما أحدثه الانخراط العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية, وتمكّن موسكو من لجم او جرّ (لا فرق) واشنطن الى «مربعها» بعد ان ظهرت حقيقة الدور التخريبي الذي تلعبه المعارضات السورية, كونها الوجه الاخر للارهاب الداعشي والقاعدي, الذي يفتك بدول المنطقة وشعوبها، فضلاً عن الضربات والهجمات الاجرامية التي يوجهها الارهابيون الى عواصم عربية وغربية, بوحشية وسادية غير مسبوقتين.
هل قلنا بسمة قضماني؟
نعم، فالسيدة «المُفاوِضة» خرجت يوم امس على العالم لتطلب من الولايات المتحدة «التصدي» للدور»التخريبي» الذي تقوم به روسيا مُشكِّكة في الوقت ذاته بجدية واشنطن في هذا الشأن، ما أثار المزيد من التساؤلات عن الاسباب الحقيقية التي وقفت خلف تصريح مفاجىء كهذا، جاء مباشرة بعد «التوافقات» التي قيل انها تمت بعد انتهاء المباحثات في موسكو, بين وزير الخارجية الاميركية مع الرئيس بوتين والوزير لافروف، وبروز مؤشرات على ان المرحلة المقبلة ستشهد «تنسيقاً» روسِياً اميركياً لتوجيه ضربات مؤلمة لداعش وجبهة النصرة.
ثم يأتي تصريح (قضماني آخر) هو يحيى قضماني نائب رئيس الهيئة التفاوضية الذي «نفى» بدوره ان تكون هناك «أي نيّة» للتحضير لاجتماع «مُوسّع» للمعارضة في الرياض, يضم «منصّات» اخرى مثل منصة موسكو والقاهرة وحميميم، تُصِرّ اطراف دولية على ضرورة وجودها ضمن وفد المعارضة السورية في مفاوضات جنيف، بل زاد السيد قضماني الى نفيه مفردات «جازمة» اخرى كالقول: لا يوجد توجّه لعقد اي مؤتمر كهذا.. (أبداً).. وكل ما يُحكى من «أقاويل» ليس لها اساس من الصحة.
فهل تعكس مواقف عدمية كهذه, تفوح منها رائحة المراهقة السياسية.... نُضجاً او مسؤولية؟ بعد ان استنفدت معارضات الفنادق ادوارها وباتت عِبئاً على مشغليها وداعميها ومموليها؟ في ظل توقعات باستئناف مفاوضات جنيف خلال الاسابيع المقبلة, بعد مباحثات كيري في موسكو، ناهيك عن ان اجتماعات الهيئة العليا للمفاوضات الجارية الان في الرياض ستكون عاجزة عن الخروج بتقييم سليم وناجع ومنطقي لتقييم الوضع العام وما آلت اليه عملية «الحل السياسي» والتطورات الاقليمية والدولية، لانها (الهيئة) تعيش وهماً كبيراً بأنها ما تزال تُشكِّل رقماً «ما» في الأزمة السورية، دون ان تُدرك انها بالفعل تلعب في الوقت بدل الضائع, وهو وقت قصير سرعان ما ينتهي, ليجدوا انفسهم على ارصفة الفنادق التي مكثوا فيها طويلاً ــ دون نتيجة تُذكرــ سوى جلب المزيد من المعاناة والمآسي للشعب السوري.
(الرأي 2016-07-19)