“وفا” إذ تهاجم سلام فياض وتلبس ثوب الثورية!!
من قرأ المقال الذي دبّجه المحرر السياسي لوكالة “وفا”، لسان حال منظمة التحرير (رئيسها بتعبير أدق، إذ ماذا بقي من المنظمة ذاتها؟!)، عن الرؤية التي طرحها سلام فياض لحل المأزق الفلسطيني.. من قرأ المقال سيعتقد أن من يديرون منظمة التحرير يمتشقون أسلحتهم في الجبال، وبادر فياض إلى طعنهم في الظهر. حين تُختصر القضايا الكبرى للشعوب والأمم بأشخاص، تختل الأولويات، وتضيع البوصلة، وتصبح الخيانة هي التمرد على القائد، وليست خيانة القضية ذاتها. ماذا طرح سلام فياض في رؤيته حتى استحق هذا الهجاء المر من طرف محرر “وفا” تعبيرا عن رأي المسؤولين عنها؟ خلاصة الطرح الذي قدمه سلام فياض لا يعدو أن يكون تنويعا على المسار الراهن للسلطة، ويقوم على إنهاء الانقسام؛ أولا من خلال بقاء منظمة التحرير، وثانيا من خلال الإطار القيادي الموحد، وثالثا بتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي الانقسام، وكل ذلك في إطار من الإجماع على “اللاعنف”، أو اعتماد “الهدنة” مع الاحتلال حتى بناء المؤسسات، ومن ثم انسحاب الاحتلال من مناطق الضفة الغربية (يقصد تجمعات السكان الفلسطينيين)، ثم انتخابات لاختيار برلمان وحكومة، مع مفاوضات مع الاحتلال وفق المرجعيات الدولية والمبادرة العربية. لعل أكثر ما يثير السخرية في رد “وفا” على سلام فياض هو الحديث عنه كما لو كان عميلا لمشاريع خارجية، أو أنه تفاهم مع حماس لتنفيذ “أجندات أقليمية”، فيما لا يبدو من المنطق القول إن ما طرحه الرجل ينسجم بأي حال مع منطق حماس ورؤيتها. الحق أن ما استفز من يديرون “وفا”، أو قادتهم في كلام سلام فياض، هي قناعتهم بقربه من محمد دحلان، لكنهم لم يقولوا ذلك هذه المرة، وذهبوا نحو ربطه بحماس، والغريب أنهم ربطوه أيضا بمشاريع تصفية القضية!! والسؤال الذي يطرح نفسه هو: أي خلاف بين رؤية عباس وبين رؤية سلام فياض من الناحية العملية؟ الخلاف هو أن فياض يبدو أكثر صراحة في الحديث عما يجري، بينما يقوم أولئك بتطبيقه على الأرض، دون الإقرار بحقيقته. كلاهما يمضي في اتجاه الحل الوحيد المتاح إسرائيليا، وهو الحل الانتقالي بعيد المدى. فياض يتحدث بصراحة عن هدنة، ويكاد يصرح بالحل المؤقت، مع أنه يتحدث عن مفاوضات تالية وفق المرجعيات الدولية، بينما يدفن الآخرون رؤوسهم في الرمال، ويمضون منذ 2004 في ذات المسار، ولكن دون الإعلان عن ذلك. سلام فياض، وكما محمود عباس وقيادة السطة وفتح، يدركون أن نتنياهو لن يعرض عليهم ما عرضه باراك في كامب ديفيد صيف العام 2000، وهو لن ينسحب من القدس الشرقية، ولا حتى حدود 67، وكل ما لديه هي حدود الجدار لا أكثر، وبسيطرة أمنية من طرفه أيضا، وبالتالي، فهم يتحدثون عن بناء المؤسسات وإنهاء الانقسام، ومن ثم التهيؤ للمفاوضات. والحال أن تحميل الانقسام مسؤولية وضع القضية هو أصل السخف الذي يجري ترويجه منذ سنوات، إذ لا صلة أبدا بينه وبين وضع القضية، فقد فاوضوا زمنا طويلا قبل عباس دون انقسام، وفاوض عباس نفسه أولمرت أيضا دون انقسام فماذا حصّلوا، بل إن إنهاء الانقسام في جوهره لا يعدو أن يكون جلبا للجميع نحو ذات المسار المشار إليه، بدل أن يأتي طرف دون آخر. ما طرحه سلام فياض هو اعتراف ضمني بالحل الانتقالي بعيد المدى، وهو في جوهره تصفية للقضية، لكن ما يفعله عباس ويطبقه على الأرض يفعل ذات الشيء أيضا، وبالتالي فإن هجوم عباس على فياض لا صلة له بمصلحة القضية، وهو لا يختلف عن صراعه مع محمد دحلان.
(الدستور 2016-07-19)