15 دقيقة شهرة
هناك مصطلح إعلامي معروف وهو 15 دقيقة شهرة 15 minutes of fame الذي نحته الإعلامي أندي ورهول ومعناه أن كل شخص في العالم الجديد وبفضل تعدد وسائل الاعلام والاتصال سيكون مشهورا ومعروفا ومؤثرا لمدة خمس عشرة دقيقة حتى لو كان في قاع المجتمع، وميادين الشهرة تختلف ما بين المجتمع المحلي وقد تتوسع لتشمل العالم بأسره، وترجمة المصطلح العملية ليست حرفية من ناحية الوقت لتعني 15 دقيقة بالضبط أو أقل أو أكثر ولكن المعنى الدقيق أن المدة قصيرة ومحددة ولها نهاية ولو طالت.
ورغبة الإنسان في الشهرة والخلود قديمة قِدم البشرية وقد حاول الخيميائيون من قبل اختراع إكسير الخلود ودفع الكثيرون حياتهم لكي يُعرفوا، وما مخاطرات البعض التي يتأرجحون فيها بين الحياة والموت في كل لحظة الا دلالة على المدى الذي تخترقه الإرادة البشرية لتسجل اسمها في تاريخ الخالدين، وما أمثال سجلات وكتب غينيس التي تتجدد سنويا في رصد المفاضلات بين الانجازات البشرية بين أطول وأعظم أضخم وأكبر الا إثبات على حمى التنافس الإنساني في بلوغ الأعالي، ولا ضير في ذلك إن كان التنافس في إدراك المعالي فقد جعل الله الجنة درجات، وجعل التنافس في الخير، والمسارعة في الخيرات، والمسابقة في البر من الأمور المستحبة والمرغوبة، والنفس التواقة الى المحاسن من طبائع النفس المحمودة، والتي تفاضل بين أقدار الناس في الدنيا وفي درجات الآخرة.
وبرغم كثرة من خلدوا في الخير وكان في خلودهم انجاز تعدى كيانهم المحدود وأناهم الفردية وذواتهم الضيقة الى إرث ينفع الناس فهناك كثرة أيضا باعوا ويبيعون كل غال ومقدس لمثل هذه اللحظات المعدودة ليخلدوا في سجل تكرهه البشرية وتود لو تلفظه وتنساه لتنافسه في كل ما هو مكروه ومذموم ومؤلم، وهؤلاء لا يمتد ذكرهم الا لمن أراد أن يبحث ويفتش في صفحات التاريخ المنسية بينما الأبطال والخيرون يذكي وينمي ويعطر الناس ذكرهم وينسجون حولهم الأساطير التي تبالغ وتضخم صفاتهم الحسنة وتضرب بهم الأمثال لمن أراد الاقتداء.
لكل إنسان وقته من الشهرة ما بين 15 دقيقة الى حدث الى سنة الى إدارة مؤسسة الى عمر حكومة الى عمر وزارة الى عمر برلمان الى حكم دولة، وغالب من يخلدون لا يأبهون للشهرة السريعة والزائلة بل تتعلق أنظارهم وقلوبهم بما هو أبقى من رضى الله أو خدمة شعوبهم والعالم بينما العامة من البشر قد يرون في 15 دقيقة فرصة لا تتكرر فيسعون لاقتناصها، ولو بالباطل، على مبدأ «حوش يا أبو الوحوش»، وهؤلاء دنيويون بأغراض دنية.
«الذكر للإنسان عمر ثان هكذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكن ليس أي ذكر، الذكر الطيب فقط لا يُنسى فعندما يخلفك عمل صالح تعيش حيوات متجددة وعندما تخلّف السوء تموت موتات متعددة.
في الخمس عشرة دقيقة رسالة أيضا أن بعض الناس استنفذت مدتها في الظهور والمنصب ووجب إنزالها عن المنصة فهي لا تستحق أكثر من المدة التي أخذتها، ولكن هل هناك من يسمع أو يأبه؟!
(السبيل 2016-07-21)